2009/12/22
نواقيس قديمة لسنة جديدة
عمتم مساء أيها المدعوون إلى حفلات رأس السنة الميلادية الجديدة...
عمتم صباحا، أنتم أيها السكارى المنثورين فوق إسفلت المدن/الملاهي وأرصفتها...
مرحى لكم جميعا وأنتم تصلون ليلكم بنهاركم وسنتكم بلاحقتها... بالشمع المعطر والخمر المعتق... بنكات السنة الماضية وقبل السنة القادمة...
مرحى لكم وأنتم تخيطون النصف بالنصف بحكايات حذاء سندريلا ونواقيس الملاعق الفضية...
مرحي لكم أيها السكارى الساهرون داخل مخيمات الورد... أيها الآمنون بحسن الأمن...
مرحى لأصدقائي القدامى وهم يلفون قطع المرطبات بين أوراق صحيفة وشحت صفحتها الأخيرة بمقاطع من قصيد "ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة" لمظفر النواب...
مرحى لأصدقائي القدامى أيضا وهم يتدافعون أمام بائع البطاقات البريدية يرسلونها مضمونة الوصول إلى نيويورك... أو إلى نيو أصدقائهم...
مرحى لهم وهم يفعلون كل هذا ويتذكرون _ فقط يتذكرون _ مقطعا شريدا من أغنية «بنت الباي» للأزهر الضاوي : «... لا وسكي في الري فيون ...»
مرحى لكم بالوسكي الأمريكي...
عمتم صباحا مساء وكل رأس سنة جديدة أيها العروبيون، الوطنيون، التقدميون، الأبيقوريون حد الموت...
الموت...
صباح الموتى... مساء الموتى... كل عام وأنتم موتى...
عمتم مساء أيها الساقطون في اللهب... عمتم صباحا أيها الصاعدون من اللهب...
كل سنة وأنتم ناهضون من اللهب... قادمون من اللهب...
سائرون باللهب إلى الأمام... أعلى من اللهب...
عمتم مساء أيها الفلسطينيون المشردون في مخيمات الريح...
عمتم صباحا أيها العراقيون المذبوحون بين المشانق والزنابق...
كل عام وأنتم مقاومون... صامدون... عائدون... محتفلون بالقوارير والشمع شظايا في وجه الأمريكيين... الإسرائيليين... العروبيين... الوطنيين... التقدميين... الأبيقوريين حد الموت...
صباح المجازر... مساء الجَنَائز... كل عام وأنتم ناهضون من المَجَازر... كل عام وأنتم عائدون من الجنائز...
كل عام وأنتم مُقاومون أيها الفلسطينيون...
كل عام وأنتم مقَاومُون أيها العراقيون...
كل عام وأنتم صَامتُون أيها العروبيون...
مَرحَى لكم أيها الفلسطينيون بالقذائف، بالمدافع، بالحرائق، بالمعتقلات، بالمذابح والمجازر...
مَرحَى لكم بالسنابل والكرمل والبرتقال...
مَرحَى لكم بهويتكم توقعونها كل رأس سنة بالحجر...
مَرحَى لكم أيها العراقيون بحزن النخيل، بسجن أبو غريب، بقبضة الطوائف، بالعرق العراقي، بالحفل الأممي الذي دُعي له النفط ولم يدعَ له العراق...
مَرحَى لكم بهويتكم توقعونها كل رأس سنة جديدة بالمتفجرات...
كل عام وأنت وطن أيا عراق...
كل عام وأنت وطن أيا فلسطين...
كل عام وأنت مستعمرة أيا جغرافيا المنافي...
كل عام والفلسطيني لا يخطئ عد السنوات :1948... 1948... 1948... 1948... 1948..
كل عام والعراقي لا ينسى عد السنوات :9 أفريل 2003... 9 أفريل 2003... 9 أفريل 2003... 9 أفريل 2003...
كل عام والعروبي يتقن عد السنوات:...2003...2004...2005...2006...2459...
كل عام وأنا أكتب بالحبر الأسود...
كل عام وأنت تقرأ بالنظارة السوداء...
2009/12/14
هنا تطير الفئران
يبدو أن ذاك المثل الشعبي المغرق في السخرية من بساطة الأشياء وتفاهة الأمور الذي يقول: "حل الصرة تلقى الخيط..." بات أكبر من الفعاليات الثقافية التي تقدم هنا وهناك، ذلك أن الدوائر المشرفة على المهرجانات والمعارض والأيام والأسابيع والندوات والأمسيات والملتقيات والمنتديات والموائد... وكل الأنشطة التي تُلصق بها كلمة الثقافة باتت تتفنن في إضفاء معالم البهرج والزينة والإمعان في الاحتفالية الخارجية، لتضعنا بعد تلك الهالة الزجاجية وجها لوجه أمام الخراب المقدم باسم الإبداع الثقافي... وأمام اليباب المتسربل في جبة الفنون... حتى تماهى الفعل الثقافي المؤسس مع التنشيط الثقافي الموسمي... وصارت ثقافتنا أشبه بتلك الشجرة المهملة التي نطل عليها من شرفات النسيان والتجاهل لنرقب موتها البطيء وسط الأحراش والطفيليات...
بساط احمر أمام المسرح البلدي... أضواء ساطعة أمام ما بقي من دور للسينما... معلقات اشهارية تنافس اليافطات في الأخطاء اللغوية... نشريات ومطويات متناثرة على الأرصفة وفي محطات الحافلات... ندوات صحفية لأسئلة بلا أجوبة... طوفان من الكلام الإذاعي والصور التلفزية... فائض من الهرج والمرج في الطرقات العامة... دعوات خاصة ومراسم مغرقة في البرود... جميعها اتفقت على دق المسامير الصدئة في نعش الثقافة الحقيقة التي تؤسس لأفق أوسع ولمدى أبعد... لترفع لنا تلك "الصرة" التي لم تعد تقوى على حمل "الخيط"...
يبدو أننا لم نستوعب بعدُ أن قلب الأرض أوسع من خريطتها، وأن الشجرة التي نُهملها ستهجرها العصافير واحدا اثر واحد... ولن يتسلق أغصانها اليابسة إلا الفئران المسعورة...لتعود إلى جحورها بعد قضم اقرب ثمرة شاحبة... ومنها من يتطاول ويتجاسر على معاودة التسلق و"التشعبط الثقافي" مادامت تنط وتقفز في أروقة شركات الإشهار والتسويق التي لا تفرق بين مسرحية وشفرة حلاقة... بين رواية وعلبة سردين... بين فيلم وقارورة زيت؟؟؟
ننسحب من ظلمة قاعات السينما ونتدحرج فوق درجات المسرح البلدي أو نتدافع في رواق معرض الكرم مثقلين بطعم دانون ومايسترو ورائحة الفنواز ومتسربلين بأحمر تونزيانا وازرق تيلكوم... متخففين من الدهشة، من ارتباك الحواس، من توالد الأفكار... شاحبين من دون أحلام...غير ممسكين بطرف خيط يجعلنا نردد مع ناظم حكمت:"إذا لم احترق أنا ولم تحترق أنت ولم نحترق نحن فمن سيضيء السبيل؟"
هذا ما يحدث الآن في أروقتنا الثقافية، في المسارح وقاعات السينما و"المراكز الثقافية" ودور الثقافة والمعارض... حتى ألفنا الطريق وصادقنا شحوب الشجرة وصدقنا أن للفئران أجنحة وجموح للطيران... ويبدو أن الأمر لم يعد مجرد فعل طارئ أو محنة عابرة بقدر ما أصبح قاعدة لا استثناء بعدها...
قد نسأل ما الضرر في تقديم مسرحية أو فيلم أو افتتاح مهرجان أو معرض للكتاب بفائض جمالي ورونق احتفالي مادامت كل الشعوب الأخرى تفعل ذلك؟ فنجيب بكل بساطة بأن المشكلة لا تكمن في الاحتفالات بقدر ما تكمن في المحتوى الثقافي؟ وباتت تنخر المتن في عمقه لا حواشيه... والجواب لا نتوهمه أو نصطنعه لأننا نلمحه في انكسار الانتظارات، في انكماش الحواس، في اختناق الأفاق وخيبات الأمل المتكررة وهي تصيب المتابعين والمواكبين وجمهور "العمل الثقافي"...وهم يتنقلون من فضاء لفضاء بعضهم يتفادى الانزلاق على "قشور" المشهد المتناسلة، والبعض الأخر مثقل بالأوجاع في رحلة بحث عن أمل عساه يثقب النعش الثقافي بسهم من النور.
2009/12/11
في الاعلان العالمي لحقوق الانسان
يظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق تاريخه يوم 10 ديسمبر، رغم نواياه الحسنة، واقعا ضمن رؤية إيديولوجية أفرزتها طبيعة المرحلة التاريخية التي صدر فيها، إذ ليس لحقوق الإنسان من معنى سوى حق رجل الأعمال الغربي في التسرب إلى كل ركن من أركان العالم للسيطرة على الأسواق والاستحواذ على الثروات واستثمار مواده الأولية وتحقيق الأرباح، وهذا هو جوهر كونية حقوق الإنسان بالمفهوم البرجوازي الإمبريالي، ظاهره إنساني أممي، وباطنه طبقي استعماري.
أما إعلان حقوق المواطن في الدول العربية والذي أُقرّْ بقرار مجلس الجامعة عدد 668 بتاريخ 15 ديسمبر 1970 فقد ظل هو الآخر تنظيرا متعاليا ـ ولا يزال ـ عن الممارسة الواقعية، والعوائق تتعدد وتختلف، ويمكن حصرها في أربعة نقاط رئيسية، أولها الحلقات الاستعمارية الضاغطة، بمعنى التبعية العمياء للقوى الاستعمارية الأجنبية، ولا أقصد بهذا ضرورة الاستقواء بالأجنبي، لأن التبعية دائما ما تكون للدوائر الرأسمالية وللكمبرادورات الاقتصادية واللوبيات الاستعمارية في حين أن الاستقواء بالأجنبي هو الالتقاء الحر والواعي بالقوى الديمقراطية والتحررية في العالم من أجل ضمانة أكثر لإنسانية الإنسان.
ثاني العوائق، فقدان التجارب الميدانية، بمعنى فقدان الصيغ التي تُطرح كبدائل أو أصول للنظم الديمقراطية، وسببه أن الشرائح التي تصل إلى سدة السلطة في أي قطر من البلاد العربية ، عبر كفاحها التحريري، هي الشرائح الوسطى أو الشرائح البرجوازية الصغيرة وهي بطبيعتها متذبذبة وغير مستقرة إيديولوجيا وسياسيا، ولهذا أسقطت ـ بمجرد نيلها استقلالا صوريا ـ برامجها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية «الإصلاحية» لحساب مصالحها الطبقية وزجت بشعوبها نحو مطبات الفقر والجهل والقمع.
ثالث العوائق هو ما يمكن أن نصطلح عليه بضياع العقل العربي بين جاذبية الأصالة/التراث من ناحية وجاذبية الحداثة/العولمة من ناحية ثانية، خاصة على مستوى التأويل الديني وتحليل العلاقات الاجتماعية وإنتاج الرؤى الاستشرافية.
وآخر العوائق، وهو أهمها وأخطرها يتمثّل في الكيان الصهيوني وما استنزفه ويستنزفه من طاقات حيوية في مجالي التخطيط والعلاقات الدولية المُحتمل إقامتها بندية مع الطرف الآخر غير العربي.
هذا على مستوى ما هو نظري، أما على المستوي التطبيقي الواقعي، فان الأسباب تختلف أيضا وتتعدد، فالبنية الانثروبولوجية للدولة تتسم عموما بطابعها الحصري القائم على الإقصاء، إذ السلطة تحتكرها جماعة محددة بشكل ضيق وهي أسرية، وفي الأعم اقتصادية ( نفطية، تجارية، صناعية، خدماتية...) وهي عموما تُغَيِّبُ دور المؤسسات وتوجه برامجها إن أوجدتها لالتزامات خارجية بطبيعة الحال مثل المنظمات الحقوقية غير الحكومية بصورة خاصة. وهذا الطابع الحصري يمنع أية عملية «ارتقاء» يطرحها من هو خارج إطارها ومنظومتها ولا تقبل به إلا إذا دخل منظومتها ( مثلها مثل نظام الموالي) مما يفضي عمليا إلى دفع هذا الآخر إلى المعارضة القصــوى ( التيارات المتطرفة).
أما الحقوق والحريات الغائبة بشكل مفزع، فأهمها حرية الرأي والتعبير عنه شفاهة أو كتابة أو طباعة، وما حرية الرأي المزعومة إلا حرية الموافقة والإجماع المطلقين، وما تطور أجهزة الرقابة لدى مؤسسات الدول العربية أو تحديدا لدى الأحزاب الحاكمة إلا دليل قاطع على الانتهاك الصارخ لهذا الحق الرئيسي.
أيضا الحق في التجمع السلمي سواء أكان ذلك في أماكن مغلقة أو في فضاءات مفتوحة، إلا إذا أوحت به أو نظمته السلطات الرسمية، كذلك حق تشكيل النقابات أو الأحزاب السياسية أو الجمعيات غير الحكومية، ولا يخفى على عربي واحد التباين الفاضح بين مقرات الأحزاب المعارضة التي تشبه المحلات التجارية أو المساكن الشعبية وبين مقرات الأحزاب الحاكمة والتي تشبه النزل الفاخرة وهي المشيدة بأموال الشعب المنهوبة عنوة .
ومن أهم الحقوق الغائبة أو المغيبة كليا في المجتمعات العربية هو حق المشاركة في إدارة الحياة العامة، إما مباشرة أو عن طريق ممثلين يختارهم بحرية الرفض والقبول فقط. أما أخطر الحقوق المغيبة فعلا خاصة منذ استفحال النظام الرأسمالي وتنامي آفة الخوصصة فهو حق الشغل ــ حق الحياة، ولا داعي للتذكير بجحافل المعطلين عن الشغل وآلاف المتعاقدين مع الموت والذل في كل المؤسسات والشركات.
أعتقد أنّ هناك نقطتان مهمّتان يجب أن نضعهما في الاعتبار دائما وأبدا، الأولى تتمثّل في أنّ الدّفاع عن الحريات يعني القيام بهذا الدفاع في وجه المعتدي الحقيقي وهو لن يكون في معظم الأحيان سوى سلطة الحكم المنصبة من طرف القوى الإمبريالية، والراعية لمصالحها الاقتصادية والحضارية داخل أوطانها، والثانية هي أن نؤمن بأن كفالة الحريات وضمانتها مهمة نضالية مستمرة سواء أكان الحكم ديمقراطيا أو غير ديمقراطي، فمادامت الديمقراطية ليبرالية في عمقها فإننا لن نضمن حقوقا متساوية لكل البشر.
2009/12/09
لوحة ثقافية
عادة ما تجمعهم طاولات المقاهي والمطاعم والحانات، يؤمونها من سياقات متنوعة، الشعر الرواية، القصة، الرسم، السينما، المسرح، الموسيقى... وغالبا ما تكون موائدهم باذخة بالثرثرة واللغو، فاقدة للأفكار والمشاريع...
ينتقدون هذا ويسخرون من تلك، ويتندرون على ثالث لينتهوا بالشتم والقدح في أعراض من لم يقاسمهم خشب الطاولة وكراسيها...
لوحة سريالية لا تُرسم بالخطوط والألوان بقدر ما تُرسم بالأسى على من يؤثثون مشهدنا الثقافي، والاستثناءات قليلة جدا مثل تلك "التعديلات" التي يستحضرها الرسام بعد أن ينهي لوحة ما.
يقلبون الصحف صباحا، وفي الظهيرة يُلقون الأسماك في بطونهم، لمن استطاع إليها سبيلا، ليفضوا في الليل أختام سيد الطاولات "الماغون"... وغدا صباح جديد وصحف أخرى...
جيل يتطاوس على جيل... جيل يُقزم وينفي ويدمر ويُقصي بشراهة لا متناهية، وجيل يكابد ويتجاسر والجسر بينهما مهزوز أبدا، ولا تواصل بين الجيلين إلا بما توفر من فتات الطاولات... وما بينهما جيل يرمي خطاه هنا وهناك...
جيل يلهف الدعم حتى وان لم ينتج، يسافر إلى أصقاع الدنيا تملقا، يحوز على الجوائز قبل انطلاق المسابقات... وجيل يتسول ليصدر نصه البكر أو فيلمه الأول أو يقيم معرضا للوحاته... جيل لا يسمع بالملتقيات والندوات والمهرجانات إلا بعد انقضائها... وما بينهما جيل يغمس حبره تارة بالأسود وطورا بالأبيض...
جيل صرنا نخشى أن نفتح يوما ما حنفية الحمام فتندفع من حلقها، قبل الماء، ذات الأسماء ونفس الوجوه... وجيل يولد ويموت وكأنه لم يكن أبدا... وما بينهما جيل ينوس ذات اليمين وذات اليسار...
جيل تقاعد "إبداعيا" فبات يستثمر اسمه ليستأثر بكل شيء... وجيل سيخفت بريقه لشده ما ضاق به السياق... وما بينهما جيل يتهافت هنا وهناك...
جيل يعتبر نفسه المتن وما سواه هامش... وجيل ينخره السوس لشدة ما هُمش... وما بينهما جيل يتأرجح على الحبلين...
لئن تُعرف الشجرة من ثمارها فإن ثمار شجرتنا تبزغ من بين الأوراق في عتمة شديدة التعفن، ولا تُنبئ بسلة "طازجة" في ظل تناسل أكوام الثمار الفاسدة، وتأبيد استمرارها لكأنها باتت القاعدة التي لا شذوذ عنها...
هكذا سنظل نردد أغنية تبتعد كلماتها عنا... ولا نعرف حدود الصوت من الصدى...مادامت أجيالنا الثقافية تُباعد المسافة فيما بينها... وترفع الحواجز...
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)