2008/04/22
فيلم «بابا عزيز» للتونسي الناصر خمير
اشراقات تونسيّة بايقاعات ايرانيّة
عندما أنهيتُ فيلم «بابا عزيز» للمخرج التونسي الناصر خمير الذي يُعرض هذه الأيّام بقاعة «أفريكا آر» تذكرت تفسير ابن عربي لمفهوم الكرامات بأنّها تشبه السحر وليست بسحر، بل انّ لها حقيقة في نفسها، تذكرّت هذا التعريف لأنّ فيلم «بابا عزيز» هو السحر بعينه الذي لافكاك لمُشاهده من الانبهار به والافتخار بأنّ هذا الفيلم من اخراج تونسي اسمه الناصر خمير...
فالفيلم الذي يمنحك فرصة لطيّ الأرض والمشي على الماء واختراق الهواء والأكل من الكون هو لا محالة يحتكم لنص آبق طافح حمّال لشتى التأويلات، وهو فيلم ارتفع بمشاهده إلى مصاف التجلّي وأبعد، ذلك أنّ فيلم «بابا عزيز» لا يروي حكاية يوميّة بقدر ما يستنفر الحواس لتقف على ذروة نقاط الاستفهام الكونيّة لا المحليّة... لأنّ المُشاهد مهما كان جنسه سيلفي نفسه ملقيّا في «بئر الحقيقة» لأنه ببساطة صعد من بطن الأرض كنقطة تائهة في البحر أو نجمة في السماء، أو هو حبّةرمل في صحراء لا تعرف السكون والاستقرار...
هكذا قدّم لنا الناصر خمير «ايشار» و»بابا عزيز» وكل أبطال الفيلم مثل الفراشات التي تحترق بكنه الوجود ولا تموت... لأنّ المطمئن لا يضيع الطريق مادامت بصيرته تقود بصره...
دراويشٌ... غزالة... فراشات... رسالة حرير... قطة... جميعها وغيرها تناثرت شُهبًا فوق صحراء شاسعة لم تكن مكانا بقدر ما كانت زمانا افتتحه بالجُحر وبالقبر أُختتم.. وفوق أديمه كان بين الأبطال وحقيقة وجودهم عقبة كؤود فكان تجليهم ـ في الفيلم ـ ماهو إلاّ انتقالٌ من حال إلى حال في صمت وصدق مثلما كان انتقال المشاهد من صورة الى أخرى ومن مشهد إلى ثان بفضل حبكة الناصر خمير وحدسه العميق الذي يسّر له سيلان المشاهد في أرض بلا دليل فكان فيلم «بابا عزيز» وحدة كاملة متكاملة في خطابه وصورته وموسيقاها...
فهذا الفيلم كان باذخًا في موسيقاها التي تراوحت بين الفارسية والكردية والايرانية والتركية والحضرة التونسيّة... وكان سخيّا بصوره ومشاهده التي تنفتح من الكل لتبلغ الجزء وكذا كان خطابه ونصّه طافحًا بالاحالات والدلالات والرموز أسوة بقول ابن عربي أن «الحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر»...
مع هذا الفيلم للناصر خمير تؤمن بأنّ العيان البصري لا يعوّل عليه، بعكس عيان البصيرة... تؤمن بأنّ السينما أكبر من الصورة والموسيقى والأحداث... بل تؤمن بأنّ «بابا عزيز» هو أنت وأنّ رحلته هي رحلتك وسؤاله هو سؤالك.. فإذا أبصرته أبصرك وإذا أبصرك أبصرته... كأنّها الاشراقاتُ.. أو هي عينها وذاتها...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
مقال رائع ... شكرا
ردحذفشوقتني للفيلم .. وأنا من عشاق أفلام ناصر خمير .. بحثت في الشبكة عن نسخة من فيلم "بابا عزيز" تحوي ترجمة عربية ولم أجد .. هل لك أن تدلني؟ شكراً
ردحذفد