جمهورية البنّ هذه التي سأكتب عنها لا علاقة لها بجمهورية أفلاطون الفاضلة ولا بجمهورية الفرابي ولا بجمهورية ماركس، فهي لم تسبق بتظير فلسفي او بتفكير عقلاني في مقوّمات وجودها ومسوّغات استمرارها، وإنّما هي تفرّدت بخيارات اقتصادية وبمناهج تدبير تربوية وسياسية واجتماعية وثقافية أبلى مدبّروها البلاء الحسن ليجعلوا منها نموذجا عالميا لا يُقارن، وجمهورية فارقة في تاريخ تشكل الامم وتكوّن المجتمعات على مر العصور...جمهورية البنّ هذه شعارها المركزي يتكوّن من ثلاثة قيم رئيسية ثابتة في «بن ـ سكّر ـ معلقة»، وأهل ديارها متساوون جميعهم في الحقوق والواجبات، هم في الحقيقة والواقع يتمتعون بحق واحد وواجب واحد ايضا هو حق احتساء القهوة وواجب دفع ثمنها.كما تتميّز جمهورية البنّ بعدالتها الاجتماعية اذ وفرت لجميع «رعاياها» وظائف مناسبة مثبتة على ظهر هوياتهم الشخصية عبرت عنها بتركيب لغوي بسيط وذو دلالة موحية: «زَبُونُ مَقْهَى».كما ان جمهورية البنّ هذه تخطّط في السرّ لبناء مركّب للتكوين والتأهيل سيدرس فيه دكاترة وجامعيون آداب الجلوس في المقاهي وآداب شرب أنواع من القهوة دون غيرها ومناهج دفع حساب النادل، ويشاع ايضا أن بعض المتنفذين في ادارة دواليب جمهورية البنّ ينوون اقامة مسابقة وطنية مفتوحة لجميع رعايا البلاد من اجل التنافس على الفوز بجوائز وأوسمة ذهبية ثلاثة ستوزّع على الأكثر إدمانا على الجلوس الى المقاهي، والأكثر إحتساء لفناجين القهوة المرّة وايضا للأكثر إذعانا لمشيئة النادل!!!وتجدر الاشارة الى أن جمهورية البنّ هذه قد تعدّل دستورها بمناسبة أحد احتفالاتها الوطنية مسايرة لتقدمها الباهر وإزدهارها المنقطع النظير حيث رأى الساهرون على أمرها ضرورة منع بعض العادات والممارسات التي قد تضرّ بفرادتها كوجود جمعية الدفاع عن المستهلك ووجود بعض الطلبة والمثقفين الذين يطالعون اثناء أداء مهنتهم وفقا لبطاقات هويّة الجمهورية وغيرها من السلوكات التي سيقع النظر فيها...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق