بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/11/04

حوار مع بطل فيلم "ملح هذا البحر" الفلسطيني صالح البكري


* تحصلت على التانيت الذهبي في مطار قرطاج الدولى

الفلسطيني الذي لا يقاوم عليه أن ينتحر لأن حياته كالموت تماما


الممثل الشاب صالح بكري هو ابن الممثل القدير محمد البكري، تقمص دور البطولة في فيلم "ملح هذا البحر" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر. هذا الفيلم الذي نال في اختتام الدورة 22 لايام قرطاج السينمائية جائزة المرحومة رندة الشهال يروي بطريقة مختلفة اصرار الفلسطيني على حق العودة الى أرضه المستلبة...

*كيف يقدم الممثل صالح البكري نفسه للقارئ التونسي؟
* فيلمي هذا مع آن ماري جاسر هو فيلمي الثاني وهو بعنوان "ملح هذا البحر" وهو فيلم واقعي. يحكي عن واقعنا وعن ماساتنا كفلسطينيين. كما أشارك في هذه الدورة بفيلم ثان بدور صغير للمخرج الفلسطيني رشيد مشهرواي، ومع والدي أيضا محمد بكري والفيلم بعنوان "عيد ميلاد ليلى". كما سبق لي وان مثلت على خشبة المسرح ومن بين مشاركاتي المسرحية تمثيلي في مسرحية جنون لجليلة بكار حيث قمنا بإعدادها بلهجتنا المحلية وقد لعبت دور "نون" (الدور قام به في العمل الأصلي الممثل محمد علي بن جمعة). وقد حققت المسرحية نجاحا كبيرا في بلدنا وخاصة في يافا وفي حيفا وفي رام الله وفي الضفة، وفي غزة لم نعرضها لأننا ممنوعون من العرض هناك.
* باعتبارك بطل فيلم "ملح هذا البحر" كيف تمت عملية اختيارك للعب دور البطولة من قبل آن ماري جاسر؟
* حسب ما حكت لي المخرجة فان اختيارها لي لبطولة فيلمها "ملح هذا البحر" هو مسحة الحزن البادية في عيني "عماد" الاسم الذي لعبت به دور البطولة.
* هل يعني هذا أن الفيلم يدخل في خانة الميلودراما؟
* ربما. ولكن السمة الرئيسة للفيلم والخانة التي يمكن أن أصنفها ضمنه هو أنه فيلم حياة أي فيلم واقعي، وكل ما شاهده المتفرجون نعيشه يوميا في فلسطين، ولذلك أيضا ربما يمكن تصنيف هذا العمل في جانب منه إلى عمل توثيقي لدرجة أني لم شاهدت الفيلم أحسست باني لم أقدم عملا سينمائيا وإنما عشت ما أعيشه يوميا في بلدي وما يعيشه كل فلسطيني في الداخل والخارج على حد السواء. لم اشعر أن هذا الفيلم عمل معزول عني ولم أتعامل معه بحرفية بقدر ما تعاملت معه بسجيتي وعلى سريرتي. الفيلم هو جزء من واقعي ومن وجودي.
* هل يمكن أن نصنف الفيلم في إطار الثقافة المقاومة ؟
* وهل تعتقد أن هناك فيلم ما أنتجه فلسطيني لا يدخل في فعل المقاومة؟ بالطبع هذا الفيلم هو فعل ثقافي مقاوم لكل أشكال الاستعمار والانتهاك السافر لحرمة بلدي وشعبي ومصير دولتنا. كل إنسان في الأرض الفلسطينية وفي ارض ما يسمى دولة "إسرائيل" واع بأنه مجبور على أن يكون نفسا مقاوما لأن طبيعة حياته ووجوده تفترض أن يكون مقاوما، نحن لم نختر أن نكون كذلك بل الكيان الصهيوني هو الذي أجبرنا بممارساته على فعل المقاومة. الفلسطيني الذي لا يقاوم عليه ان ينتحر لأن حياته كالموت تماما. من لا يقاوم مغتصبه هو يحيا حياة الأموات.
* ولكنك في الفيلم قمت بدور الفلسطيني الهارب من وجه فلسطين. كنت مهووسا في الفيلم بالسفر إلى كندا وعدم العودة إلى رام الله لولا قصة الحب التي عشتها مع البطلة؟
* صحيح كنت مهووسا بالخروج من فلسطين والسفر إلى كندا أو أي مكان من العالم. هذا دوري في الفيلم إلى أن التقيت "ثريا" البطلة وقصة الحب التي عشتها معها هي في جوهرها قصة حب الأرض الفلسطينية فهي قد عادت من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل يافا وأنا عدت من هوسي بالسفر إلى كندا إلى رام الله...
شخصية "عماد" التي شاهدناها في الفيلم تنزع إلى هروب ولكن ليس بالمفهوم الذي نعرفه عن الهروب. يمكن أن نسميه الهروب إلى الداخل... الهروب إلى الأعماق... الهروب إلى كل ما افتقده والى كل ما انتزع منه عنوة. هروب البطل في الفيلم هو هروب من السجن ومن الحصار الذي وجد فيه وهو ليس هروب خوف. كان يرغب أن يعيش بأمان ومن دون صوت بنادق ولا حواجز تفتيش. "عماد" لم يستطع أن يصل إلى البحر مدة 17 سنة بالرغم أن البحر بجانبه ومع ذلك لم يصله بسبب الصهاينة... فخروجه وتوقه للسفر هو في حد ذاته فعل مقاومة ومحاولة لكسر الحواجز. وأنا أتفهم رغبة عماد وأعرف ما معني أن يكون البحر حذوك على بعد كيلومترات ولا تستطيع أن تتمشى على شاطئه.
أنا عمري 32 سنة ومنذ أن كان عمري 18 سنة تقريبا بدأت أفكر يوميا بالخروج من فلسطين وكل مرة أخرج فيها من فلسطين أفشل في مقاومة حنيني إلى العودة إليها ولم أكن اعرف آكل ولا أضحك ولا حتى أعيش حياة طبيعية خارج فلسطين. عشت في باريس وفي فيانا وعدة أماكن أخرى ومع ذلك أعود دائما إلى رام الله... إلى ارضي وأكلي وأصدقائي والى صوت طلق النار...
* الفكرة الأساسية لهذا الفيلم هو مفهوم العودة بين الحق والواجب وكذلك طرح شكل العودة ؟
* بالفعل كل الفيلم يحكي عن العودة ... العودة كواجب والعودة كحق، ومسألة العودة صارت الآن تطرح بشكل جدي ودائم لكن المحاولات الصهيونية متعددة لضرب حقنا كفلسطينيين في العودة إلى أرضنا. أنا شخصيا لا أؤمن بفكرة ما يسمى الدولتين . بالنسبة لي منذ 1948 قام هذا الكيان ببتر أطرافي واحترف تشريدنا وتهجيرنا لذلك من حقي ومن واجبي وبأي شكل كان سلمي أو عنيف علي وعلى كل لاجئ أو مهجر أن ينام ويفيق على حق العودة. بالعودة والمقاومة يمكننا أن نسترد أرضنا كاملة ونبني دولتنا كما نشاء.
* بدا لبعض المشاهدين أن الفيلم مستمد من قصة غسان كنفاني "عائد الى حيفا" هل هذا صحيح؟
* أحداث الفيلم تتمحور حول العودة الي يافا ودعني اقل لك أن الفيلم ليس مستمدا من قصة غسان كنفاني فقط بل من كل من كتب وصور وغنى وأطلق رصاصة لأجل حق العودة. وعلى فكرة عنوان الفيلم "ملح هذا البحر" هو مستمد من أحد قصائد الشاعر الراحل محمود درويش. والفيلم بالأخير أهدته المخرجة آن ماري جاسر إلى النكبة والى مذبحة الدوايمة التي هي مدينة "عماد".
* كيف كانت ظروف التصوير خاصة في المناطق "الإسرائيلية"؟
* ظروف التصوير كانت متميزة وجيدة جدا في كل المشاهد التي قمنا بها في رام الله فالطاقم كله ساعدنا وكذلك المواطنون والسلطات الفلسطينية كلهم ساعدونا في تصوير المشاهد، ولكن منذ أن اتجهنا إلى يافا، إلى إسرائيل أولا الطاقم التقني الفلسطيني منع من الدخول ولذلك اضطررنا أن نغير الطاقم التقني وهناك بعض التقنيين الفلسطينيين الذين تسربوا خلسة إلى يافا لمواصلة التصوير معنا مثلما فعلنا نحن في الفيلم وفي كيفية دخولنا عبر البوابات الإسرائيلية . وكل المشاهد المصورة فيما يسمى دولة إسرائيل هي مشاهد مصورة خلسة. ولو عرف الكيان الصهيوني بهذا الفيلم لما تم انجازه. ولعلمك المخرجة آن ماري جاسر ممنوعة الآن من الدخول إلى فلسطين وهي تعيش الآن بعمان وبيتها برام الله مغلق وهذا طبعا بسبب الفيلم. والعديد من المشاهد التي تابعها الجمهور حصلت لنا مع الجنود الإسرائيليين ومثلا تلك اللقطة التي نزعت فيها بنطلوني وبقيت عاريا هي حقيقية وليست تمثيلية لأنها لم تكن في السيناريو.
* كيف تنظر للسينما الفلسطينية الشابة خاصة أنك مثلت دور البطولة والمخرجة أيضا شابة ؟
* في الحقيقة نحن كجيل جديد في السينما الفلسطينية مازلنا نتحسس طريقنا ومازلنا نبحث عن ذواتنا وعن الطاقات الكامنة فينا. صحيح أن لنا إرثا إبداعيا مهما تركه لنا المبدعون الكبار ولكن نحن كشباب نريد أن نبني إبداعنا ونصنع واقعنا الذي نعيشه وفقا لمقوماته المتغيرة. مثلا جيل اليوم اغلبه أو لنقل النسبة الأكبر منه تؤمن بالدولة الواحد ولا تعترف بفكرة تعايش دولتين جنبا إلى جنب، وهذا في حد ذاته مختلف ومغاير . أيضا يتجلى الاختلاف في النسبة الكبيرة للشباب الذين يتجهون إلى السينما والى المسرح والفن التشكيلي.
* كيف تفسر المقولة التي تعتبر أن المبدع الفلسطيني دائما يدفع ضريبة انتمائه من خلال قضية شعبه وأرضه؟
* الثابت أن القضية الفلسطينة مثلت وما تزال تمثل العمود الفقري وجوهر كل الإبداعات الفلسطينية : المسرح والسينما والشعر والأدب والرقص والغناء .... وهذا قدرنا وربما من زاوية أخرى أقول لك أن القضية الفلسطينية في حد ذاتها قد تمثل عبء على المبدع ولكن القضية بالمفهوم الشامل هي جوهر الإبداع. أنا مثلا وغيري كثيرون نرغب في التعبير عن مسائل وجودية وعن مسائل فلسفية ولكن لا يمكنني أن أتجاوز مسائل الاستعمار والاستيطان والقتل والتشريد على الأقل كمرحلة من تاريخ شعبي ومن تاريخ أرضي ولكن هذا لا ينفي أن الكثير من الإعمال الإبداعية توفقت في التحرر بالفن من أجل الفن وهذا طبعا ساهمت وتساهم فيه العديد من المتغيرات وخاصة منها السياسية بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون...
* لننهي هذا الحوار الخاطف بحظوظ فيلم "ملح هذا البحر" في الفوز بتانيت ضمن هذه الدورة 22 لأيام قرطاج السينمائية؟
* أصدقني القول إن قلت لك أن التانيت الذهبي قد حصلت عليه شخصيا منذ وطأت قدماي مطار تونس قرطاج الدولي... صدقني بالنسبة لي التانيت أو الجائزة هي أن أرى دولة ترفع الإنسان فوق جواز السفر... ترفعه فوق الوثائق والأوراق الرسمية التافهة... ثم أنا أول مرة أشارك بأيام قرطاج السينمائية وهذا في حد ذاته جائزة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق