في احدى الخطابات التعبوية الحماسية، قال الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد " إن تغيير النظام التعليمي العلماني المهيمن على جامعاتنا منذ 150عاما سيكون صعبا، إلا انه علينا أن نقوم بهذه المهمة معا" داعيا طلاب الجامعات الإيرانية للاحتجاج على الفكر الليبرالي وعلى الاقتصاد الليبرالي باعتبارهما لا يوليان أية أهمية "لهويتنا"، قائلا لهم "على الطالب أن يحتج على رئيس الجمهورية لمعرفة لماذا لا يمنحه أستاذ جامعي علماني نقاطا كافية لطالب لا يشاطره آراءه".
إن مثل هذا الحشد الاصطلاحي الذي رصفه الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد ضمن خطاب لم يتجاوز زمنه أكثر من نصف ساعة -على أقصى التقدير- والحماسة المفرطة في تعبئة فئة بعينها من الشعب الإيراني، وهي الفئة الأكثر تذبذبا ( طلاب الجامعات والمثقفين عموما) والمنتمية إلى الطبقة الوسطى أو إلى البورجوازية الصاعدة، وان مثل هذا الطرح "الراديكالي" واستيقاظ الحاسة التاريخية فجأة لدى أحمدي نجاد المحافظ المتشدد بشأن الفكر الليبرالي وبشأن النظام التعليمي العلماني، يجعلنا نتوقف بكثير من التريث والتثبت فيما تلفظ به نجاد المحافظ أمام شعبه الذي سيصوت له لاستمرار حكمه من جهة ، ومن جهة ثانية نجاد الثائر الذي يركب موجة التحدي أمام إمبراطورية الشر المتمثلة في أمريكا (الشيطان الأكبر حسب تعبير نجاد) والكيان الصهيوني ومن حالفهما.
وإذا كان توقفنا عابرا وغير مستفيض، فان نقاط الاستفهام والإشارات التي سنوردها لها ما يكفي – ولو نسبيا – لإعادة النظر في صدقية هذا الخطاب التعبوي وفي مشروعية وقابلية تحقق هذا الطرح "الراديكالي".
فلو أردنا في البداية، تصنيف خطاب احمدي نجاد أمام طلبة جامعة طهران تصنيفا تاريخيا، فإننا سنصنفه ضمن تيار "الرفضية الفكرية"، هذا التيار الذي تغدي أكثر في فترة صراع النهضة العربية بين شقيها التوفيقية الإسلامية من ناحية والعلمانية المسيحية من ناحية ثانية، وهو تيار قام أساسا بموجب وجود منبهات/صدمات حضارية غير إسلامية وغير عربية، بمعنى أن التغيير الذي يدعو له احمدي نجاد ليس تغييرا نابعا من الداخل وليس مطلبا إيرانيا صميما بقدر ما يمثل رد فعل انفعالي مثار من الخارج، مثله مثل فكرة "الثورة الإسلامية الإيرانية" مع من سبقه.
كما أن هذا التيار الرفضي ينطلق أساسا من موقف أيديولوجي قائم على قطبي (ضد/مع) وهو بالضرورة لا ينسحب على الواقع الإيراني وعلى متطلبات الشعب الإيراني، أولا لنزعته التدميرية والفوضوية، وثانيا لأن كلام أحمدي نجاد بخصوص العلمانية كنظام تعليمي يكشف لنا نظر ميكانيكية لتحديد طبيعة الصراع القائم بين إيران تحديدا والعالم الإسلامي عموما من جهة وأمريكا تحديدا والعالم الغربي عموما من جهة ثانية، وهو بهذه النظرة يدور داخل سياج دوغمائي مغلق وسلبي.
أما السؤال الذي يطرح بإلحاح في خضم هذا الاحتشاد الاصطلاحي في خطاب نجاد، هو أية علمانية يبتغي الرئيس الإيراني أن تغيرها جماهيره الطلابية؟
أهي "العلمانية المسيحية" التي جلبت معها الفكر الاجتماعي التطوري الاشتراكي والنزعة اليسارية المبكرة في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات؟ أم هي "علمانية محمد عبده" التي انبنت على نزعة قبولية وروح مهادنة شبه مطلقة للفكر الأوروبي ولمقولات اللورد كرومر؟ أم هي "العلمانية التوفيقية" التي تولدت مع الأفغاني والكواكبي كامتداد لمحمد عبده؟ أم أن احمدي نجاد يقصد "العلمانية الأوروبية" المتجسدة في تجربة تركيا الكمالية؟ أم هي "علمانية علي عبد الرازق" المتجلية بالخصوص في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"؟ أم "علمانية طه حسين" في كتابه "الشعر الجاهلي" الذي اعتمد في متنه على منهج الشك الديكارتي وعلى منهج النقد التاريخي الأوروبي؟ أم أن نجاد يعني "علمانية اليسار اللبناني" مع يوسف يزبك الذي اتخذ من تاريخ الأممية الثالثة (1919) تقويما جديدا بدلا عن التاريخين الهجري والميلادي ؟ أم انه يقصد "العلمانية القومية" مع ساطع الحصري الذي أكد على أن قيام امة عربية غير مرتبط بالضرورة بمفهوم "دار الإسلام"؟...
إن الدكتور محمود احمدي نجاد هنا، لا يظهر لنا كرئيس دولة إسلامية له موقف فكري حاسم بشان النظام التعليمي العلماني بقدر ما هو يؤجج شعورا شوفينيا/ ارتودوكسيا يتلبس بلبوس حضاري ليدافع به عن تحد عسكري ومطمح حربي، كما أن ثورته الفردية – لا الوطنية – هي عبارة عن "ثورة فوقية" وليست "ثورة جذرية"، فهي لا تدعو لتأسيس خلايا ثقافية عمالية وتلمذية وطلابية... وإنما هي تدعو في أقصى "ثوريتها" إلى "احتجاج طالب على أستاذ جامعي علماني لا يشاطره رأيه"؟.
هذا فيما يخص مفهوم العلمانية وثورة احمدي نجاد المحتملة ضدها كنظام تعليمي تمتد جذوره إلى أكثر من 150 سنة في إيران، أما فيما يخص الفكر الليبرالي، فلا اعتقد أن نجاد يدعو طلاب جامعته إلى تقويض هذا الفكر على أساس انه "سلوك طبقي"، بقدر ما هو يدعوهم إلى تقويض الليبرالية – فكرا واقتصادا – باعتبارها موقفا مجردا.
فدعوته لتقويض الفكر الليبرالي باعتباره سلوكا طبقيا سيعود حتما عليه بالوبال من طرف المضطهدين الإيرانيين ومن طرف الإيرانيين الذين قمعوا وحرموا من حرياتهم الفردية والعامة. فاحمدي نجاد يظل بالأخير ليبراليا في نظام حكمه وبورجوازيا في سلوكه لم يمنح مواطنيه حرياتهم إلا بما يخدم مصالح طبقته (رغم انه من طبقة فقيرة أصلا) وهو لهدا يستعمل جمهور الطلبة كأداة ضمن صراعه السياسي ضد أمريكا وهو أيضا يطوع الاقتصاد الإيراني لبناء دولة عسكرية ستناوش أعداءها قليلا لتقمع شعبها كثيرا...
هكذا يظل محمود احمدي نجاد رئيسا إيرانيا بامتياز لا يختلف كثيرا عن الشاه الإيراني ولا عن الإمام الخميني، فهو مثلهما مليء بالتناقضات ومهووس بحلم العظمة والكاريزما الفردية ولو على حساب الشعب الإيراني بأكمله... ومثلهما يظل محمود احمدي تنازعه تارة "نجاد المحافظ" وطورا "نجاد الثائر" ليظل بالأخير الشعب الإيراني أمام الوجهين كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولو كان الشاعر الإيراني رزبهان الشيرازي حيا لأعاد قوله "هذا الجنون إلى المستحيل" أمام حماسة نجاد وتعبئته لطلبة جامعاته.
إن مثل هذا الحشد الاصطلاحي الذي رصفه الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد ضمن خطاب لم يتجاوز زمنه أكثر من نصف ساعة -على أقصى التقدير- والحماسة المفرطة في تعبئة فئة بعينها من الشعب الإيراني، وهي الفئة الأكثر تذبذبا ( طلاب الجامعات والمثقفين عموما) والمنتمية إلى الطبقة الوسطى أو إلى البورجوازية الصاعدة، وان مثل هذا الطرح "الراديكالي" واستيقاظ الحاسة التاريخية فجأة لدى أحمدي نجاد المحافظ المتشدد بشأن الفكر الليبرالي وبشأن النظام التعليمي العلماني، يجعلنا نتوقف بكثير من التريث والتثبت فيما تلفظ به نجاد المحافظ أمام شعبه الذي سيصوت له لاستمرار حكمه من جهة ، ومن جهة ثانية نجاد الثائر الذي يركب موجة التحدي أمام إمبراطورية الشر المتمثلة في أمريكا (الشيطان الأكبر حسب تعبير نجاد) والكيان الصهيوني ومن حالفهما.
وإذا كان توقفنا عابرا وغير مستفيض، فان نقاط الاستفهام والإشارات التي سنوردها لها ما يكفي – ولو نسبيا – لإعادة النظر في صدقية هذا الخطاب التعبوي وفي مشروعية وقابلية تحقق هذا الطرح "الراديكالي".
فلو أردنا في البداية، تصنيف خطاب احمدي نجاد أمام طلبة جامعة طهران تصنيفا تاريخيا، فإننا سنصنفه ضمن تيار "الرفضية الفكرية"، هذا التيار الذي تغدي أكثر في فترة صراع النهضة العربية بين شقيها التوفيقية الإسلامية من ناحية والعلمانية المسيحية من ناحية ثانية، وهو تيار قام أساسا بموجب وجود منبهات/صدمات حضارية غير إسلامية وغير عربية، بمعنى أن التغيير الذي يدعو له احمدي نجاد ليس تغييرا نابعا من الداخل وليس مطلبا إيرانيا صميما بقدر ما يمثل رد فعل انفعالي مثار من الخارج، مثله مثل فكرة "الثورة الإسلامية الإيرانية" مع من سبقه.
كما أن هذا التيار الرفضي ينطلق أساسا من موقف أيديولوجي قائم على قطبي (ضد/مع) وهو بالضرورة لا ينسحب على الواقع الإيراني وعلى متطلبات الشعب الإيراني، أولا لنزعته التدميرية والفوضوية، وثانيا لأن كلام أحمدي نجاد بخصوص العلمانية كنظام تعليمي يكشف لنا نظر ميكانيكية لتحديد طبيعة الصراع القائم بين إيران تحديدا والعالم الإسلامي عموما من جهة وأمريكا تحديدا والعالم الغربي عموما من جهة ثانية، وهو بهذه النظرة يدور داخل سياج دوغمائي مغلق وسلبي.
أما السؤال الذي يطرح بإلحاح في خضم هذا الاحتشاد الاصطلاحي في خطاب نجاد، هو أية علمانية يبتغي الرئيس الإيراني أن تغيرها جماهيره الطلابية؟
أهي "العلمانية المسيحية" التي جلبت معها الفكر الاجتماعي التطوري الاشتراكي والنزعة اليسارية المبكرة في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات؟ أم هي "علمانية محمد عبده" التي انبنت على نزعة قبولية وروح مهادنة شبه مطلقة للفكر الأوروبي ولمقولات اللورد كرومر؟ أم هي "العلمانية التوفيقية" التي تولدت مع الأفغاني والكواكبي كامتداد لمحمد عبده؟ أم أن احمدي نجاد يقصد "العلمانية الأوروبية" المتجسدة في تجربة تركيا الكمالية؟ أم هي "علمانية علي عبد الرازق" المتجلية بالخصوص في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"؟ أم "علمانية طه حسين" في كتابه "الشعر الجاهلي" الذي اعتمد في متنه على منهج الشك الديكارتي وعلى منهج النقد التاريخي الأوروبي؟ أم أن نجاد يعني "علمانية اليسار اللبناني" مع يوسف يزبك الذي اتخذ من تاريخ الأممية الثالثة (1919) تقويما جديدا بدلا عن التاريخين الهجري والميلادي ؟ أم انه يقصد "العلمانية القومية" مع ساطع الحصري الذي أكد على أن قيام امة عربية غير مرتبط بالضرورة بمفهوم "دار الإسلام"؟...
إن الدكتور محمود احمدي نجاد هنا، لا يظهر لنا كرئيس دولة إسلامية له موقف فكري حاسم بشان النظام التعليمي العلماني بقدر ما هو يؤجج شعورا شوفينيا/ ارتودوكسيا يتلبس بلبوس حضاري ليدافع به عن تحد عسكري ومطمح حربي، كما أن ثورته الفردية – لا الوطنية – هي عبارة عن "ثورة فوقية" وليست "ثورة جذرية"، فهي لا تدعو لتأسيس خلايا ثقافية عمالية وتلمذية وطلابية... وإنما هي تدعو في أقصى "ثوريتها" إلى "احتجاج طالب على أستاذ جامعي علماني لا يشاطره رأيه"؟.
هذا فيما يخص مفهوم العلمانية وثورة احمدي نجاد المحتملة ضدها كنظام تعليمي تمتد جذوره إلى أكثر من 150 سنة في إيران، أما فيما يخص الفكر الليبرالي، فلا اعتقد أن نجاد يدعو طلاب جامعته إلى تقويض هذا الفكر على أساس انه "سلوك طبقي"، بقدر ما هو يدعوهم إلى تقويض الليبرالية – فكرا واقتصادا – باعتبارها موقفا مجردا.
فدعوته لتقويض الفكر الليبرالي باعتباره سلوكا طبقيا سيعود حتما عليه بالوبال من طرف المضطهدين الإيرانيين ومن طرف الإيرانيين الذين قمعوا وحرموا من حرياتهم الفردية والعامة. فاحمدي نجاد يظل بالأخير ليبراليا في نظام حكمه وبورجوازيا في سلوكه لم يمنح مواطنيه حرياتهم إلا بما يخدم مصالح طبقته (رغم انه من طبقة فقيرة أصلا) وهو لهدا يستعمل جمهور الطلبة كأداة ضمن صراعه السياسي ضد أمريكا وهو أيضا يطوع الاقتصاد الإيراني لبناء دولة عسكرية ستناوش أعداءها قليلا لتقمع شعبها كثيرا...
هكذا يظل محمود احمدي نجاد رئيسا إيرانيا بامتياز لا يختلف كثيرا عن الشاه الإيراني ولا عن الإمام الخميني، فهو مثلهما مليء بالتناقضات ومهووس بحلم العظمة والكاريزما الفردية ولو على حساب الشعب الإيراني بأكمله... ومثلهما يظل محمود احمدي تنازعه تارة "نجاد المحافظ" وطورا "نجاد الثائر" ليظل بالأخير الشعب الإيراني أمام الوجهين كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولو كان الشاعر الإيراني رزبهان الشيرازي حيا لأعاد قوله "هذا الجنون إلى المستحيل" أمام حماسة نجاد وتعبئته لطلبة جامعاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق