اخترت القالب الكوميدي لأن السينما الجزائرية درامية في غالبها
أحترم تفاصيل الثورة الجزائرية ولكن...
يُعرض هذه الأيام بقاعة «أفريكارت» الفيلم الجزائري «مسخرة» للمخرج لياس سالم الحائز على جائزة أكاديمية «لويار» بباريس، ونال لقب «سيزار» الشهير، كما تم اختياره للمشاركة في المهرجان الإفريقي للسينما والتلفزيون بوغادوغو، والذي يُطلق عليه «فيسباكو» وتحصل الفيلم على لقب من أكاديمية فنون وتقنيات السينما في دورتها الـ34 في فئة أحسن أول فيلم، وقدمت أكاديمية «لوميار» لبطل هذا الفيلم الطويل محمد بوشايب «جائزة أحسن دور رجالي» على أدائه لدور خليفة، علما أنّ جوائز «لوميار» الشهيرة على غرار «غولدن غلوب أمريكانس» عادة ما تمنح لأحسن فناني السينما الفرنسية والفرانكوفونية من طرف الصحافة الأجنبية العاملة في باريس.
كما تم اختيار «مسخرة» للمشاركة في المهرجان الإفريقي للسينما والتلفزيون، حيث سيتنافس إلى جانب 20 فيلما إفريقيا طويلا آخرا على جائزة «ايتالون دور دو يينينغا»، وتمكن الفيلم منذ عرضه الأول في 11 سبتمبر 2008 ، من الحصول على عشرات الجوائز والتكريمات خلال مختلف التظاهرات الدولية، آخرها في مهرجان دبي، أين تحصلت هذه الكوميديا على جائزة مزدوجة «المهر العربي» الكبرى وكذلك جائزة الجمعية الدولية للنقد، إضافة إلى مهرجان الفيلم الفرانكفوني «لأونغولام» بفرنسا وحاز على جائزة أحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة الدولي في دورته 32 الذي نظم تكريما للراحل يوسف شاهين.
كما توجت مشاركة «مسخرة» في الأيام السينمائية بقرطاج في دورتها ,22 بالحصول على ثلاث جوائز عن أحسن عمل سينمائي للأمل الرجالي، ولجنة التحكيم وأحسن ممثلة (ريم تعكوشت) وتحصل هذا الإنتاج أيضا على جوائز أخرى على غرار الجائزة الكبرى للخيال في مهرجان السينما الإفريقية والجائزة الكبرى للجمهور في مهرجان الأفلام الإفريقية لبيزانسون «ضوء إفريقيا».
وحاز الفيلم على جائزة أحسن أداء رجالي لصالح لياس سالم عن الدور الذي أداه في هذا الفيلم في مهرجان لارينيون للفيلم، وجائزة «لافالو الذهبي» في مهرجان الفيلم الفرانكوفوني لأونغولام وجائزتي مهرجان"نامور" ببلجيكا.
ويروي سيناريو «مسخرة» في طابع كوميدي مغامرات الشاب منير الذي يحاول باستعمال كل الوسائل فرض نفسه في بلدته حيث وصل إلى غاية نشر شائعة زواج أخته من رجل أعمال واسع الثروة.
هذا الفيلم الذي كتبه المخرج الشاب لياس سالم (35سنة) وتقمص دوره الأول من خلال شخصية منير، بدأ تصويره في أكتوبر 2007 بولاية بسكرة، وصُورت لقطات الفيلم أيضا في كل من الجزائر العاصمة والمسيلة وباتنة وتيارت وغيليزان وتيسمسيلت.
وسبق للمخرج لياس سالم أن تألق كممثل في المسرح والتلفزيون والسينما، وأنجز فيلمان قصيران تحصل على «سيزار» في فرنسا عن فيلم منهما وهو «كوزين» (بنت العم) سنة .2003 وله أيضا فيلم «جون فارس»، و «لحاسة» (1999).
* «مسخرة» عنوان مثير ويستفز فضول المشاهد، فهل راهنت على العنوان للترويج تجاريا على الأقل لمحتوى فيلمك الطويل الأول؟
ـ اختياري لعنوان الفيلم لم يكن اعتباطيا أو عشوائيا بل هو مدروسٌ منذ البداية، ولكن بعيدا عن التفكير التجاري، فالمسألة ببساطة تتعلق باسم المدينة التي كان يُفترض أن نصور فيها الفيلم وهي مدينة «معسكرة» وهي باللغة الفرنسية تُحيل صوتيا على كلمة مسخرة (MASCARADES) وكنا سننجز الفيلم في تلك المدينة الواقعة غرب الجزائر العاصمة ويتميز سكانها بالنكتة والنوادر والطرائف.
غير أننا حوّلنا وجهتنا إلى مدينة بسكرة ومع ذلك حافظت على العنوان لأن الكلمة حمّالة دلالات وزاخرة بالإحالات والرموز على ما حاولت تقديمه في الفيلم ثم إن كلمة «مسخرة» وفيّة لشخصية بطل الفيلم «منير» ولكل المواقف والأحداث التي قام بها أو عاشها. والمسخرة أيضا تحتمل الكوميديا الخفيفة إن صحّ التعبير وهي أيضا تدل على عدم القبول بالواقع ورفضه دون الإفصاح عن ذلك مباشرة.
ثم لا أعتقد أنني راهنت على البعد التجاري وإنما دعني أقول أني راهنت على فضول المتفرج وجلبه من خلال وقع الكلمة.
* لماذا اخترت القالب الهزلي أو الكوميدي للتعبير عن تناقضات المجتمع الجزائري؟
ـ اخترت القالب الكوميدي لأن السينما الجزائرية في اغلبها لم تنتج إلا الأعمال الدرامية، وربما واقع الجزائر فرض هذا النمط، فلا أحد ينكر وجود الفقر والبطالة والإرهاب والحرقة، وهي في تقديري ليست الوجه الكامل للجزائر.
والقالب الكوميدي أو الهزلي لا يبعدنا عن جوهر الجزائر وتفاصيلها بل هو شكل مختلف ومحملٌ مغاير، أقل مباشراتية.
الكوميديا معبرٌ جاد لسبر أغوار الواقع بلغة أخرى، واختيارنا للكوميديا لا يعني أبدا ابتعادنا عن قضايا الجزائر وعمق واقعها.
*عادة ما تُفرض على الأعمال المموّلة من الخارج بعض الشروط، ومعلوم أن فيلم «مسخرة» مموّل من قبل فرنسا، فهل فُرضت عليكم بعض الشروط؟
ـ تواصلا مع الواقع الجزائري وفي عمقه لم أحاول أن أقوم بأية عملية تبرير لظاهرة ما أو إدانتها من وجهة نظر غير جزائرية بل بالعكس حاولت تقديم الصورة من دون مساحيق.
الغرب عموما يريد أعمالا تبرر وتدين ولكن أنا لم أقع في ذلك الفخ، وقد اشترطت على المنتجين الفرنسيين أن أصور الفيلم في الجزائر وعن الجزائر وباللهجة المحلية لأجل أن يشاهده الجزائري أولا، وبالفعل كان أول عرض في قاعة «الموقار» بالعاصمة في شهر سبتمبر 2007 ثم انتقلنا بالفيلم إلى عشر ولايات جزائرية وحضرنا جل العروض والتقينا مع الجمهور وناقشنا الفيلم.
في «مسخرة» حاولت طرح عدة نقاط استفهام عن الواقع الجزائري وعن موقعه مقارنة مع الآخر، سؤال الفيلم هو كيف أكون جزائريا مع ذاتي وواقعي وكيف أتأقلم مع الآخر وحضارته ومدنيته.
* هل تعتقد أن ما حصده الفيلم من جوائز وإشعاع مؤشر ايجابي على ما يُسمي عقدة اللهجة الجزائرية في الفيلم والمغاربية بصورة عامة لدى المتقبل المشرقي بالخصوص؟
ـ اللهجة المحلية، أول شرط طرحته هو أن يكون الفيلم باللهجة الجزائرية المحلية، لا فرنسية ولا فصحى، اعتقد أن لهجتنا هي حقيقتنا، فهي أداة تواصلنا في الجزائر وأنا متشبث بها وأسعى من موقعي للحفاظ عليها.
أنا أتكلم اللهجة المحلية وعلى أوراقي الرسمية أجد أن لغتي هي العربية الفصحى!!! أليست هذه «مسخرة»؟! أغلبنا لا يفهم مثلا أخبار التلفزة الجزائرية لأنها باللغة العربية.
أعتقد إن اللهجة الجزائرية هي بطاقة هوية الجزائر، في الجزائر لا يوجد عرب فقط، هناك بربر وأمازيغ وتوارق والشاوية والمزاب...
وبغض النظر عن اللهجة اعتقد أن الفيلم نجح بشكل كبير في جلب الجمهور من خلال اشتغالنا على الصورة والموسيقى وطرافة الفكرة وتنوّع الأحداث ويكفي أن الفيلم فاز في القاهرة أمام فيلم «جنينة الأسماك» مثلا للمخرج يسري نصر الله...
اللهجة مهمة واللغة أيضا ولكن اعتقد أن السينما تتجاوزهما فمثلا أنا والكثير من العرب يحبون أفلام المخرج الياباني كيروزاوا مع ذلك لا نُتقن اللغة اليابانية.
* كيف كان وَقْعُ الفيلم لدى المشاهد الأوروبي؟
ـ الفيلم لاقى رواجا متميزا في فرنسا وبلجيكيا والسويد، وأذكر مثلا في إحدى النقاشات مع النقاد والجمهور السويدي من قال لي أن العلاقة الزوجية في الجزائر وفي الوطن العربي كلها علاقات فوقية وأبوية لا سلطة فيها إلا للرجل كلمة وفعلا فكيف تصور أنت عكس ذلك في فيلمك؟
فأجبت ببساطة بأن هذه نظرة خاطئة مبنية على أحكام مسبقة، وما قدمته في الفيلم ليس إلا واقعا نعيشه.
* ألا تخشى أن ينعكس نجاح الفيلم سلبا على مسيرتك السينمائية ويحول دونك ودون إنتاج أفلاما أخرى تضاهيه أو تفوقه نجاحا؟
ـ لا أعتقد ذلك، بالعكس نجاح الفيلم فتح لي عدة أبواب جديدة ثم أنا أصلا لا أفكر في نجاح الفيلم من فشله بقدر ما أفكر في انجازه وواردٌ جداً بل طبيعي أن أنجز فيلما اقل نجاحا في «مسخرة» ولكن هذا لا يمنع من أن الفيلم منحني شحنة كبيرة.
* هل لديك مشروعا جديدا؟
ـ أنا الآن بصدد الإعداد لإخراج فيلم سأنجزه في فرنسا ومع الفرنسيين من اصل جزائري، سأصور فيه حياتهم في فرنسا وهو ليس من النوع التوثيقي.
* ما الذي تغير من لياس سالم كمخرج وممثل من أفلامه القصار في بداية مسيرته وبعد نجاح فيلم «مسخرة»؟
ـ هناك تطور وتقدم، لا أقول تغيرا جذريا، خاصة على مستوى أفكاري ورؤاي فأنا مازلت أسير على ما آمنت به، أي محاولة التقريب بين تقاليدي الجزائرية والحضارة التي أعيش فيها، أي فرنسا وأوروبا عموما.
* هل تعتقد أن الفيلم ظُلم بعدم منحه أوسكار الفيلم الأجنبي في أمريكا مؤخرا؟
ـ ليس مهما أن أنال الأوسكار المهم بالنسبة لي أن بلدي الجزائر اختار فيلمي ليمثلها في اكبر تظاهرة سينمائية في العالم وهذا شرف لي وللفيلم.
أشرقت السينما الجزائرية باشتغالها على تفاصيل ثورة المليون شهيد وأذكر على سبيل المثال فيلم «معركة الجزائر» وفيلم «الأفيون والعصا» للمخرج أحمد راشدي، فهل تفكر في الاشتغال على الثورة الجزائرية مثلا؟
ـ الثورة ساهمت في استقلال الجزائر، أما أنا فدوري أن أحافظ على هذا الاستقلال وان أنميه من خلال أعمالي، ثم يكفينا التفاتا إلى الوراء، علينا أن ننظر إلى الأمام، إلى المستقبل.
الثورة قدمت للبلاد الكثير ولا يمكن أن نبقى أسيري لحظتها، علينا أن نتجاوز ونبني لنتقدم.
أنا أحترم الثورة الجزائرية وما أنجزته ولكني أفكر في أسباب نجاحي ونجاح بلدي بعيدا عن النوستالجيا ولذا لا أظن أني سأشتغل عليها.
* تعاني دور السينما الجزائرية من هيمنة الأفلام الأجنبية وكذلك يعاني المشاهد الجزائري والعربي عموما من اكتساح الفضائيات وأنظمة الفيديو، فكيف ترى أنت كمخرج شاب مستقبل الأعمال السينمائية؟
ـ الآن في الجزائر 14 قاعة سينما فقط وأعتقد أن على الدولة أن تمنح للخواص فرصا لفتح القاعات واقتناء الأفلام ولِمَ لا تمويل الأعمال السينمائية الجديدة.
في الجزائر لا توجد أولوية من قبل الدولة للسينما واعتقد أن الفيلم الذي أنجزته يحاول من موقعه تحريك المشهد السينمائي الساكن في الجزائر واعتبر أن «مسخرة» صار سفيرا ثقافيا لبلادي، ولا أخفيك سرا إن قلت لك إن من أهم أمنياتي أن نعتني مثلا في المنطقة المغاربية بعشرة مخرجين شبان ليتمكنوا من إنتاج أعمالا عالمية تضاهي اكبر الأفلام وهي أمنية ليست مستحيلة لو توفرت إرادة الأنظمة ودعمت المبدعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق