تٌسقط العودة المدرسية كل المناسبات الأخرى فلا حركة رمضان ولا عيد الفطر تضاهي الحركية والديناميكية المادية والرمزية ليوم العودة المدرسية وما يسبقها من تحضير نفسي ومادي لا للأسرة التربوية فقط وإنما لكافة الشعب التونسي، إذ لا تخلو عائلة واحدة من تلميذ أو طالب يبني أيامه داخل القسم وعلى مدارج العلم والمعرفة، ولذلك تتجند كل الطاقات بدءا من الأولياء والتلاميذ وصولا إلى عمال وعاملات التنظيف والحراسة بمؤسساتنا التربوية والجامعية، طبعا إلى جانب الهياكل الرسمية وكذلك مكونات المجتمع المدني لا تتأخر عن المشاركة السنوية في الإعداد للعودة المدرسية... ويكفي أن نذكر أيام العلم التي يقيمها الاتحاد العام التونسي للشغل كل سنة احتفاء بالنجباء من أبناء النقابيين والنقابيات وتكريما للأسرة التربوية... هذا فضلا عن انكباب هياكله المعنية طيلة السنة الدراسية لمتابعة ودراسة ملفات النقل والترسيم والانتدابات ...
وستشهد السنة الدراسية الحالية (2009/2010) اهتماما خاصا ورسم خطة إستراتيجية من قبل وزارات الصحة العمومية والتربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا وشؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين والشؤون الدينية بتونس بالخطة التي أقرتها هذه الأطراف للفترة القادمة بهدف تفادى انتشار الفيروس أنفلونزا الخنازير الذي بات يُعرف بـ:"أي اتش 1أن1" بالمؤسسات التربوية خصوصا. وقد انطلقت وزارة التربية والتكوين في تنفيذ برنامج وقائي يرتكز على محاور أساسية أهمها التوعية والتحسيس وذلك من خلال تنظيم حصص تثقيفية لفائدة الإطارات التربوية للتعريف بالفيروس وطرق الوقاية منه وتوزيع دليل تدخل يحدد الإجراءات التي ينبغي على المؤسسة التربوية القيام بها عند اكتشاف حالة لها أعراض المرض.
وسيتم في اليوم الأول من العودة المدرسية تخصيص جزء من الحصة الأولى لتعريف التلاميذ بالفيروس إلى جانب تعليق ملصقات وتوفير محامل تربوية حول الطرق الوقائية التي يتعين إتباعها. كما سيتم دعم وسائل التنظيف وتوفير مستلزمات غسل اليدين وتخصيص فضاء للعزل في كل مؤسسة تربوية إلى جانب إعداد قائمة بالتلاميذ المصابين بأمراض مزمنة باعتبارهم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
كما أحدثت وزارة التربية والتكوين خلية يقظة في كل مؤسسة تربوية لمعاينة الوضع الصحي ومتابعة غيابات التلاميذ والمربين بهدف ضمان استمرارية الدروس وتعويض المدرسين الغائبين.
وللإشارة فان العودة الجامعية لهذه السنة ستستقبل370 ألف طالب وطالبة من بينهم 75 ألفا مرسمون لأول مرة و133 ألف مرسمون بالجامعات الداخلية بينما يبلغ عدد الطلبة بالقطاع الخاص 13 ألف طالب.
هذه الأرقام والإحصائيات والديناميكية التي تَسمٌ أيامنا هذه والتي ستليها تظل مهمة ورئيسية وأساسية لدفع عجلة التقدم والرقي والتي لا تدور إلا من خلال المثابرة على النهل من منابع العلم والمعرفة والتمترس بالآداب والفلسفات والثقافات، وهي في تقديري الحلقة الأهم والتي لا توفرها لا الأرقام ولا المباني الجديدة ولا الشعارات الجوفاء، بل إن هذه الحلقة هي التاج والإكليل الذي يحمله المعلم والأستاذ وينقله من تلميذ إلى آخر وهو يكد ويجتهد طوال سنة كاملة من التدريس وإصلاح الفروض وانتظار وسائل النقل... وتأخر الأجور...
إن الإطار التربوي هو رأسمالنا الرمزي، ووحده الكفيل بحماية منظومتنا التربوية من التراجع أمام الزحف اليومي لكل أشكال الجهل والتخلف... فمدارج العلم لا تنحصر في الكتب والأقلام واللوحات والأرقام والإحصائيات... مدارج العلم هي الأخلاق التي كبرنا معها... احترام المعلم واحترام نبل رسالته... والعودة المدرسية لا تعني الكتب فقط وبناء المدارس بل تعني أيضا حماية حقوق الأسرة التربوية وتوفير أسباب راحتها حتى لا تصبح منظومتنا التربوية عشوائية وفوضوية كحال الأدوات المدرسية المتناثرة على أرصفة الشوارع ومثل الدروس الخصوصية فلن نجني آخر السنة إلا ما نزرعه في مفتتحها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق