أحدث مسلسل «نجوم الليل» الذي بثته قناة حنبعل في النصف الأول من شهر رمضان، نقلة نوعية خاصة على مستوى الصورة، حيث تخلص هذا العمل من الصورة الكلاسيكية الباهتة التي انحسرت فيها جل أعمالنا الدرامية إن لم نقل كلها، كما أن هذا العمل قدم للمشاهد وجوها جديدة وشابة أثبتت جدارتها وقدرتها على التمثيل.
من بين الوجوه الجديدة والشابة التي ساهمت في هذه الدراما كاتبته سامية عمامي التي كان لنا معها هذا الحوار.
لمن لا يعرف كاتبة مسلسل نجوم الليل، كيف تقدم سامية عمامي نفسها للقارئ؟
ـ درست بكلية الحقوق بتونس وتخرجت سنة 1998 بالحصول على شهادة في الدراسات المتخصصة، اختصاص نزاعات المؤسسة، وبعد فترة من التمزق بين حبي للفن بصفة عامة والفن التشكيلي بصورة خاصة وبين التجريب في الكتابة سواء المسرحية أو السينمائية أو التلفزيونية، انطلقت في العمل المسرحي حيث أنجزت مشروع تخرج مع طلبة المعهد العالي للمسرح سنة 2005 بعنوان «مسجل مجهول» وقد فاز بجائزة أفضل مشروع تخرّج وكذلك جائزة الجامعة وكان من تمثيل لبنى نعمان ويسالا النفطي ثم دخلت إلى مجال الاحتراف من خلال عمل مونودراما بعنوان "هيدروجين" حيث كتبت النص وأنجزت الدراماتورجيا وجسّده معز القديري وأخرجه أيضا للمسرح وعرض لأول مرة بفضاء التياترو في تظاهرة «العرض الأول» ثم شاركنا في مهرجان الفوانيس بالأردن، كما قمت بتربص مع المسرح الملكي لمدة سنة ونصف حول «الكتابة الدرامية الجديدة".
ثم كانت لك تجربة أولى مع الشاشة الصغيرة؟
ـ بالفعل كتبت سيناريو سيتكوم، سلسلة كوميدية، بعنوان «الكلوك» وهو مصطلح غربي يطلق على المشتركين في الكراء مع المخرج برهان بن حسونة، وقد قامت بإنتاجه قناة حنبعل وبثته السنة الفارطة في شهر رمضان، وهذا العمل هو الذي ساهم في التعريف بي لإدارة حنبعل، رغم أن التجربة لم تكن مكتملة، إلا أن صاحب القناة السيد العربي نصرة، منحني ثقته واقترح علي تجديد التجربة، فكان لقائي بالسيد المهدي نصرة المشرف على قسم الدراما بالقناة، والذي اقترح علي فكرة وتصور لمسلسل درامي وترك لي حرية الكتابة فيها.
تقصدين فكرة وتصور مسلسل «نجوم الليل»؟
ـ تماما، كانت فكرة وتصور المسلسل الذي تابعه المشاهد التونسي والعربي في الجزء الأول من شهر رمضان والذي كان بعنوان «نجوم الليل»، حيث أنهيت كتابة السيناريو في ظرف شهرين وإحقاقا للحق فإن الفكرة في حد ذاتها كانت الدافع الرئيسي لشحني وحثي على تطويرها وحبك تفاصيلها.
وبما أن فكرة السيد المهدي نصرة كانت فكرة حية و «ابنة الواقع»، فقد فسحت لي المجال للتجريب فيما يسمى الكتابة الجديدة للتلفزة، وهي التي تستعير مفرداتها ولغتها من الكتابة السينمائية المبنية أساسا على الصورة ودلالاتها، وهذا الاختيار هو الذي جعلنا نختار المخرج الشاب مديح بالعيد باعتباره سينمائيا وهو المؤهل للكتابة السينمائية التي أردناها، وهي الكتابة الخالية من "الكليشيهات" التلفزية.
ولكن ما هو دور عبد الحكيم العليمي الذي نطالع اسمه في جينيريك المسلسل؟
ـ الكتابة الأولى أفرزت ثلاثين حلقة، غير أن إدارة القناة، ومن اجل إعطاء حظوظ أوفر للمسلسل، قررت تقليص الحلقات إلى النصف فدعت السيد عبد الحكيم العليمي للقيام بهذه المهمة، وتم التقليص من مشاهد المسلسل.
طيب لماذا كل هذه الدراما المغرقة في السوداوية؟
ـ هو في الحقيقة المسلسل ككل مبني على صراع الخير والشر، صراع الحق ونقيضه، وكل الخيوط الدرامية تمت صياغتها في ظل هذا الصراع، حتى قصص الحب الموجودة في العمل تعيش تحت الحصار، أو هي قصص تحمل فشلها في داخلها.
أؤمن بقولة جبران خليل جبران «الآباء يأكلون الحٌسرم والأبناء يَضْرَسون» لأن شباب اليوم يدفع ضريبة أخطاء الكبار وصراعاتهم.
لا يمكنني أن أنكر بأن مادة المسلسل هي من الواقع المعاش ولكن هي بالأساس تأويل لهذا الواقع. فمثلا عندما أطرح علاقة حب بين شخصين، فإني أتساءل عن كيفية استمرار ذاك الحب، وبالتالي كيف تكون العلاقة بين شخصين مستلبين، فمثلا علاقة "مروى" و "أيمن" هي علاقة روحان ضائعان فالأولى تبحث عن فارس أحلام يأتيها على "هامر" بيضاء وينتشلها من الأحياء الشعبية والثاني مسلوب من حلمه ولاذ بعالم المخدرات ليعيش وهم الحياة، وبالتالي فالعلاقة بين هذين الشخصين لا يمكن أن تكون إلا كارثية.
الصورة السينمائية حققت للمسلسل قيمة مضافة وهي أول تجربة تقريبا في الدراما التونسية ككل؟
ـ هناك تجارب قامت بها التلفزة التونسية، مثل الشريط التلفزي "ولد البسطاجي" ولكن كانت تجارب منعزلة ولم تكن اختيارا من طرف القناة بقدر ما كانت اختيارات فردية من بعض المخرجين، عكس تجربة «نجوم الليل» التي هي بالأساس اختيار مدروس من قبل إدارة قناة حنبعل التي تسعى للرقي بالصورة التلفزية والارتقاء بالدراما الوطنية وجعلها قابلة للانتشار عربيا وعالميا، ولذلك لا نستغرب اختيارها لمدير تصوير المسلسل الشاب بشير المهبولي الذي تلقى تكوينا سينمائيا ودرس فن الصورة في فرنسا، وهو اسم ستذكره الدراما التونسية.
والصورة التي شاهدناها كانت نتاجا لتضافر عدة جوانب منها الجانب التقني، حيث تم استعمال تقنيات فيديو متطورة، والجانب الإخراجي المبني على خلفية سينمائية، ثم جانب الكتابة السيناريستية المعتمدة على البعد السينمائي أكثر من اعتمادها على الكلمة ولذلك عملنا على تكثيف لغة الحوار واختزالها والتعويل على الصورة كلغة مستقلة بذاتها وقادرة على التبليغ.
ولكن أيضا عملية اختيار الممثلين ساهمت بشكل كبير في نجاح المسلسل؟
ـ بالفعل عملية اختيار الممثلين ساهمت في نجاح المسلسل، ويعود ذلك أساسا إلى أن الاختيار كان مبنيا على منطق عدم تقديم الوجوه المستهلكة تلفزيا، فأغلبهم وجوه جديدة، والى جانب هشام رستم وعلي بالنور وفؤاد ليتيم ومحمد كوكة وسامية رحيم وعلي الخميري وغيرهم فإن باقي شخوص المسلسل، وجوه شابة، وحسب رأيي فإن هذا الاختيار يساهم في خلق نوع من «التغريب» الذي يشد المشاهد ويجعله يعيش رحلة اكتشاف، كما انه يتعامل مع الوجوه الجديدة من دون خلفية مسبقة أو تصنيف معين لهذا الممثل أو ذاك، ثم إن هذا الاختيار يساهم في إضفاء واقعية أكثر على الأحداث.
باعتبارك كاتبة المسلسل هل ساهمتي في عملية اختيار الممثلين؟
ـ عملية اختيار الممثلين هي بالأساس وأولا وأخيرا مهمة المخرج ولكن ومثلما هو متعارف عليه فقد كانت هناك مشاورات بيني وبين السيد مديح بالعيد مخرج المسلسل خاصة في الأدوار الأساسية، وعموما لم تكن هناك أية اختلافات بيننا بخصوص الممثلين.
هل تابعتي عملية التصوير وهل كان لك دور فيها؟
ـ حضرت أغلب المشاهد، وساهمت من موقعي كسيناريست، في تحوير بعض المشاهد كلما استوجب الأمر، واعتقد آن تواجد السيناريست أثناء التصوير لا يسبب عائقا في سير العملية مثلما هو سائد لدى العديد من السيناريست أو المخرجين، بقدر ما يساهم في إنجاح تصوير المشاهد، فالسيناريست هو بالأساس مبدع ولكن دوره يتحول إلى دور تقني أثناء التصوير، وكل ما يقوم به هو في خدمة الإخراج.
ولا أجد مبررا لاستمرار الصراع التقليدي بين الكاتب والمخرج بقدر ما أؤمن بأن هذا الصراع يمكن آن يكون «صحيا» وفي صالح العمل الدرامي ككل سواء كان مسرحيا أو سينما أو تلفزيا...
بعد كتابة «نجوم الليل» وبعد تجربة الواقعية التي ما تزال تكبّل الدراما التونسية، ألا تفكرين بكتابة نص مسلسل وثائقي مثلا أو فنطازيا تاريخية، مثل أعمال شوقي الماجري أو بسام الملا؟
ـ بالطبع، فمثل تلك الأعمال توفر متعة لا متناهية خاصة في البحث والكتابة، وهي تشكل نوعا من التحدي باعتبار انك تكتب في «تيمة» تاريخية أو قيمية بأسلوب معاصر وقريب من الناس، أي كيف تجدد التاريخ أو تعيد تصنيفه، ولكن المسألة تبقى إنتاجية بالأساس، نظرا للكلفة المادية العالية لمثل تلك الأعمال.
أنا شخصيا لا أقول بأنني أفكر في كتابة عمل درامي وثائقي مثلا أو في الفنطازيا التاريخية، ولكن أقول بأن لدّي القدرة على الكتابة في هذين النمطين متى طٌلب مني ذلك، ثم إن ما يعنيني أساسا هو «الصراع» الذي تقدمه الدراما، ولا أخفيك سرا بأن لدي ميولات لمَ يسمي «Les Filmes procés» أي تلك التي تقوم على «تيمة» الاستحقاق القانوني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق