مثل تلك الحصاة التي تُلقى في بركة مياه راكدة فتحدث دوائر لا حدّ لها من الإتساع وتحرّك المياه الساكنة والآسنة، تشبه فكرة بعث نقابة للكتاب التونسيين التي انبثقت شرارتها منذ أسابيع قليلة... وهي في طورها إلى أن تصبح واقعًا ملموسًا أو "شرا لابد منه"!!
فكرة تشكيل هيكل نقابي هي بالضرورة مدخل منهجي وعملي لتدعيم مسار الكاتب التونسي وتقريبه من طرائق حركة أكثر كفاءة وتوسيع دوائر الوعي العام لديه باتجاه يدفع إلى مستقبل أكثر وضوح بدلاً من مستقبل تضع أطرهُ العامة الظروف أو تتحكم فيه الأهواء والمصادفات وردات الفعل بمعناها السلبي ...
ويشهد تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل على ما أولته قيادته، ولا تزال، من بالغ الاهتمام والعناية بالمبدع التونسي، ويكفي أن نذكر أن الزعيم الخالد الذكر فرحات حشاد كان قد بادر ببعث الفرق الموسيقية والمسرحية والرياضة وفتح المجال واسعا صلب المنظمة الشغيلة منذ ستينيات القرن العشرين للنقاش الفكري ورسم البرامج الاقتصادية والاجتماعية والرؤى الفكرية والمعرفية ...
وإذا ما كانت الممارسة تخلق بيئتها الثقافيّة وسياقها العام فإنّ المتأمل الآن في ما أحدثته فكرة تأسيس نقابة للكتاب من ارتباك صارخ واستنفار قصووي لدى العديد من الممتهنين لحرفة الكتابة يدعو إلى الاستغراب وكأنّ ثورة ما ستحدث بمجرد عقد مؤتمر نقابة الكتاب التونسيين !!!في الوقت الذي يُفترض بالكتّاب أن يستبشروا بهذا الكسب وبهذا الهيكل الذي لن يكون بأي حال من الأحوال في "صدام" مع أي هيكل آخر، أو سيسعى لنسف ما تحقق للكاتب التونسي بقدر ما سيدعم مكاسبه ويطوّرها ولن يستحوذ أو يهيمن أو يقصي أية منظمة أخرى ينضوي تحتها كتاب تونس وكاتباتها، بل بالعكس الاتحاد العام التونسي للشغل يساند كل جمعيّة أو منظمة أو رابطة مستقلة ...
أما هذا الارتباك والاستنفار، فأنّه لا يؤكد إلا على تلك الصورة النمطية والإطار الذي لم يخرج عنه أولئك الممتهنون لحرفة الكتابة، أولئك الذين لا يضعون ممارساتهم إلا في مساحات آمنة لا تمرح خارج ما يمليه عليهم وعيهم الثقافي!! وشروط إقامتهم الدنيا!! مهرولين بعيدًا عن موقعهم الاجتماعي المفترض أن يكونوا فيه، ومنحدرين إلى أسفل المراتب وهم يتسترون على تحوير شكل السيطرة الذي تفرضه المؤسسة القائمة وتبرير ممارستها في الآن ذاته ومساعدتها بالتالي على إخفاء سيطرتها وتكثيف شرعيتها لتأبيد فداحة أخطائها...
هل من معنى واضح وتفسير عقلاني لحالة الكرّ والفرّ ولحركات الشد إلى الخلف التي تأتيها بعض " الكائنات الحبرية " في هذه الآونة لعرقلة مشروع حضاري ومدني؟ !!.
هذه الكائنات التي تحوّلت بقدرة قادر إلى كائنات " حربية " تتصدّى بما أوتيت من "وعود " و " تسويفات " بعدائية مفرطة لنقابة يُفترض أنها أداة لتكريس السلم الاجتماعي الذي طالما كانوا ينادون به ...
كائنات "حربائية" تتلوّن في كل منعطف ولا تُصبغُ على جلدتها إلاّ الألوان الباهتة التي لا تمنحها شرف الانتماء للونها الحقيقي... ولا تملك القدرة والجرأة على أن تكون نقية وتُعلنُ موقفها بشكل مصيري...
إن التاريخ لا يمنحنا في كل يوم فرصة للتحرّر من ذواتنا المرتبكة والخائفة وتعتقنا من ربقة التهميش، كما أن فرص إثبات ذواتنا لا تعترضنا مصادفة في الصالونات والبلاطات، بل نحن من يصنعها ويخلقها من عمق الانكسارات والانهزامات...
فهل كثير على كتّاب تونس وكاتباتها أن يُلقوا حصاة في بركة المياه الراكدة والآسنة ويُطلِّقُوا حالة التدجين والموت البطيء !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق