كتاب التمائم اليومية
ما الذي يمكن أن يُحرّك البِرَكَ الرّاكدَة؟ وما الذي يمكن أن يقطع خيط الصمت الطويل؟
كيف يمكن أن نَفرُكَ المصباحَ فيخرج ذلك الماردُ الغارق في غيبوبته منذ زمن بعيد؟
كيف يمكن أن نسحب أنفسنا من أيامنا اليتيمة ونأتي إلى الورقة متعرّين من كل شيء، إلا من صدق الرغبة في تغيير الوقت؟
هل لدينا متّسع من الوقت؟
بل لعلَّ الوقت هو الشيء الوحيد المتوفّر لدينا حتى نفكر في اغتياله وشنقه من عقاربه.
وشنق الوقت لا يكون إلا بالكتابة، لأن الكتابة دهشة وإدهاش في الآن. ضرب من العصيان اللغوي والتمرد الحبري على ما سكن واستكان، ووحدها الكتابة الآبقة تكسر قيود العقارب الميتة، وتحبك حبائلها المجازية وهي تستنفر كل حواسنا وتحرضنا على رفع "سماء ثامنة" تمطرنا بوابل نقاط الاستفهام والتعجب من كل ما خلناه حقيقة أو صدقا...
"مراسم الكذب" لصاحب القلم المتوثب أبدا، شكري الباصومي، ضرب من الدهشة والادهاش، ضرب من العصيان اللغوي والتمرد الحبري... لأنه يكتب لنا تمائم "سحرية" فنحملها مثلما حمل ديوجين شمعته وجاب شوارع باريس بحثا عن الحرية، ومع شكري الباصومي في هذا المنجز نقتحم دواخلنا خلسة منا بما تشذر فينا ومن حولنا.
من إبن الأثير إلى أبي حيان التوحيدي، ومن المعري إلى ابن المرزيان، ومن ابن عبد ربه والغزالي والقشيري وابن قتيبة وأبي ذر الغفاري، إلى ابن الحداد، فأبي الفرج الأصفهاني، وأبي سليمان الخطابي وعلي السيستاني وغيرهم يدخلنا شكري الباصومي إلى بستان شذراته التي يتعانق فيها الشعر بالنثر، ويمتزج فيها المجاز بالسخرية.
ومن خلال شهادات للماغوط والراحل محمود السعدني وبدر شاكر السياب ومظفر النواب، والبير كامو، وناصر الدين النشاشي ودريد لحام وأغاثا كريستي وجمال الغيطاني والهادي دانيال ورياض الصيداوي وغيرهم تتقاطع ترنيمات شكري الباصومي بين مختلف فضاءاتها وتلقي بضلالها الوارفة على ما تعتم منها أو ما أوهم باشعاعه...
كتاب "مراسم الكذب" لشكري الباصومي الذي قدم لمتنه الكاتب الحر سليم دولة، كتاب كرنفالي، احتفالي، مزهو بفزاعة اللغة، لأنه كُتب في "زمان القرود والريح الصنصر... في زمن السكر المرشوش على الموتى..." لم ينضبط كاتبه إلى أي تصنيف أجناسي بقدر ما فسح لقلمه حرية الجولان في متاهات اللغة... وطرق الأبواب الموصدة لخلخلة مراتيجها الصدأة...
كتاب شكري الباصومي يخز أدراج الفطنة المستترة لدى القارئ المتقلب، ويرمى الحصى في البرك الراكدة لتتسع دوائر السؤال بشكل مطرقي ولا يترك لك مجالا واحدا للتنصل من إغراض التأويل والجري به نحو المناطق الأكثر تلغيما في مخيالنا اليومي...
كتاب يصيبك بلعنة التمرد والانتفاض:
جوعان أنت
وشجاعة الشجعان
بين يديك
فلماذا أنت صائم
عن الرأي؟.
كتاب لا يترك لك فرصة الكتابة عنه بموضوعية، بقدر ما يهبك فسحة التجول في داخلك...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق