2011/12/13
النهضة و"الهندي المقشر"
هناك مثل شعبي سيار تتناقله الألسن التونسية يقول نصه "يحب ياكل الهندي المقشر بيد غيرو" وأعتقد أن هذا المثل المثقل بالدلالات ينسحب تماما على حزب/حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) في علاقته (ها) بطرفي الائتلاف الثلاثي الأغلبي في المجلس التأسيسي واعني بهما حزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
ويكمن وجه الشبه بين حركة النهضة والمثل الشعبي في أن النهم اللامشروط لأكل "الهندي المقشر" هو تلك التخمة التي أصيبت بها الحركة بعد أن استأثرت بالعدد الأكبر من مقاعد المجلس التأسيسي الوطني، ذلك أن ما قُدم لها من حظوظ وافرة لهذا الفوز الساحق، وان كان يعود فيما يعود اليه من دعم أمريكي وخليجي واضح، هو أيضا يعود بالأساس إلى تاريخ غير بعيد من تاريخ النضال السياسي في تونس الحديثة واعني به تحالف 18 أكتوبر من أجل الدفاع عن الحريات العامة (حريّة التعبير والصحافة، حريّة التنظم الحزبيّ والجمعويّ، وتحرير المساجين السياسيين وسنّ قانون العفو العامّ) وقد تزامن تشكل التحالف مع القمة العالمية لمجتمع المعلومات سنة 2005 بين أحزاب وشخصيات يسارية ويمينية، حتى لا نقول علمانية وإسلامية، وهذه المحطة النضالية منحت شقا واسعا من الاتجاه الإسلامي فرصة هامة للتشكل من جديد ة والظهور على الساحة السياسية كطرف فاعل.
طبق الثمار (الهندي المقشر) الذي "غطست" فيه حركة النهضة بدأ يفيض أيضا أثناء الحملة الانتخابية للمجلس التأسيسي من خلال استثمار كل النقاط السلبية للحركة التقدمية في تونس ودحرجة كرة الثلج حتى تكبر بين الناخبات والناخبين من خلال العودة إلى لعبة الكفر والإيمان، حيث علق كل الشوك بالمناضلين والأحزاب التقدمية ولهفت حركة النهضة الثمرة مستعينة في ذلك "بقوتها التعبوية" وتجييش المشاعر لا أكثر ولا أقل من خلال التصريحات الإعلامية وتوظيف الفضاءات الدينية وممارسة الترهيب من قِبَلِ أنصارها المنتمين إلى حزب آخر تتبرأ منه في العلن وتخطط معه في السر...
وليمة "الهندي المقشر" المنصوبة أمام حركة النهضة تتواصل اليوم في إطار التحالف الثلاثي بينها وبين التكتل والمؤتمر، فالمنطق يفترض أن الإرث الديمقراطي والتقدمي من خلال الايدولوجيا والبرامج والممارسة لكل من حزب بن جعفر وحزب المرزوقي والتكتيك السياسي (على الأقل) يقول بأن النهضة هي في حاجة أكيدة إلى الحزبين الآخرين غير أن العكس هو الظاهر للعيان، ولعل في تصريح المرزوقي إبان الحملة الانتخابية عندما طالب الناخبين بالتصويت إما للنهضة أو له أو لحزب العمال الشيوعي خير دليل على هذا التناقض الصارخ، أو هذا الوضع الذي يحلو لي أن أشبهه بطبق "عجة بالشكلاطة"... وهو نفس التناقض الذي يتواصل اليوم، إذ لا نعثر على موقف سياسي واضح من التكتل أو المؤتمر إزاء "الهيجان" السياسي الذي دخلت فيه حركة النهضة بمساندة جميع حلفائها، وهذا يبدو أمرا مبررا خاصة عندما نلاحظ بشكل جلي تحالف اليمين الصاعد مع رأس المال الجشع لضرب كل نفس حقوقي أو نقابي أو تقدمي سيتحرك ضد منظومة الفساد السابقة (القضاء، الأمن، الإعلام...) وضد منظومة الاستبداد الجديدة (مشروع قانون توزيع السلطات العمومية مثلا).
قد يكون هذا الكلام العابر مغرقا في السطحية والبساطة، أو هو شبيه بلوحة كاريكاتورية، ولكن اعتقد أنه الأقرب إلى ذهن المواطن البسيط الذي منح صوته وهو يحلم بشربة من ماء "زمزم" غير أنه ما زال يكرع من ماء البركة و"القلتة" والوادي...
فهل سنواصل تقشير الهندي لصالح من سيؤبد جلباب الشوك والحسك؟
وهل سيأتي اليوم الذي سنخرج فيه من "الطابية" لندخل إلى المدنية؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق