ما يحدث اليوم في تونس ما بعد 14 جانفي من اختلاف في المواقف لا يُمكن أن يُقرأ بمعزل عن المواقع، ذلك أن أرضي هي مبدأي ومكاني هو موقعي منك... وشعاري هو هويتي التي تمنحني خصوصيتي واختلافي، ولنا في هذا السياق أشدّ الأمثلة وضوحًا والمتمثل في اعتصام القصبة وحركة القبة فهذان الفضاءان، على ضيقهما الجغرافي يمنحانا أفقًا شاسعًا من التأويل »السيميولوجي« والدلالي للمفردتين في علاقة بالمواقف المعلن عنها...
فالقصبة، شنقت رمزية السلطة المستبدة داخل مكاتب الوزارات الوثيرة بالرسومات البيانية على جدران المكان وبالهتافات الصادقة عن حلم جماعي لأغلبية مسحوقة وصلوا فيها الليل بالنهار وتماهوا في وجودهم وموقفهم مع دلالات المكان واحالات »القصبة«، فهي التي تتلاقفها الأمواج ولا تستكين في حركة دائبة تشبه حياة المفقّرين والمهمّشين والمفردين من ثروة البلاد والغارقين في بحر العرق اليومي باعتبارهم قوة العمل المستنزفة... وحركة »القصبة« تفتح على مُطلق الرفض، لهشاشة في الوجود، هي حتمًا هشاشة العمل والأمل... هي هشاشة الكائن الذي تحالف عليه رأس المال بجشع صاحبه...
»القصبة« باعتصام بناتها وأبنائها تماهت مع رمزيتها وكَسَر حرف »الصّاد« مزلاج الصمت ليدلّ على أن من اعتصموا هناك كانوا صامدين في الوجع وفي الحلم.. وجاؤوا من صرّة البلاد ليصرخوا صرخة الصراع من أجل صيرورة عادلة وصائبة وصادقة ومن أجل صباح أجمل من قصيدة...
أما »القبة« فمن دلالاتها الثباتُ والاستكانة والرضاء... وأيضا في وجه من وجوهها تعني الشعوذة والدّجل، وفضاء »القبة« في العاصمة جعل منه النظام السابق أرضًا واطئة لترويج ثقافة التصفيق وحملات المساندة. القبة اليوم، جعل منها المتمعشون من البرجوازيّة الجشعة مكانًا للمحافظة على ثرواتهم المبنية بعرق العمّال وبحُطام المعطلين عن العمل... وهي التي احتشدت بالأغلبية الصامتة، بباقات زهورهم وربطات عنقهم الزاهية وعطورهم البارسيّة.
أهل »القبة« اعلنوا عن موقفهم ورفعوا شعاراتهم دون صراخ »شعبوي« وكان شعارهم الباطني ذاك الذي قاله شكسبير في مسرحية »هاملت« »سأبقى هكذا أتألم ولا أتكلّم«... شعارهم المركزي في تاريخ نهبهم لعرق العمّال ومراكمة الأموال وفي جعل هذا البلد أعرجَ ومُختلاًّ يترنّحُ بين اطباق الكافيار ووجبات »الخبز والماء«...
سنة1989 ومن داخل »قبة« المنزه غنّى الشيخ امام عيسى أغنيته »هُمّا مين واحنا مين« أغنية سيظل صداها يتردّد في أذن المقهورين والمفَقَّرين وتظلّ نبراسهم في مسيرة هتك حُجب الظلام والظلم.
جميل يا سي ناجي هذا التنظير لثورة البؤساء. الثورة ليست حدثاً ينتهي بانتهاء الحفلة ، هي فعل و تفاعل و يجب ان لا تسرق من المحرومين. لا زلت تعتنق افكارك لكن حاول ان لا تكون راديكالي في التغيير. راس المال مهم ايضاً في التنمية الاقتصادية و لكن بوضع تشريعات تحكم العلاقة بينه و بين العمال يتحقق مستوى مقبول من التفاهم بين البرجوازية وطبقة العمال و تتكون طبقة متوسطة هي الاساس لرفاهية عمومية للشعب. وفقكم الله لخطىً ثابتة على طريق الديمقراطية. انتم السابقون و نحن اللاحقون باذن الله.ناصر خليفة
ردحذفربي يجازيكم الف خير
ردحذف