بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/02/14

حيّاك بابا حيّاك... ألف رحمه على بيّاك

ناجي الخشناوي ‎"اقتل شكري، اقتل جابر، عذب جندي، اسحل صابر، املا الأرض كلاب وعساكر، كل ما تدبح هي بتطرح، بدل الثائر مليون ثائر" (أحمد فؤاد نجم) "أيها المحتفلون بسفك دمي توغلوا في الاحتفال فأنا الباقي وانتم إلى زوال" (سليم دولة) كيف ألف لحم الكلام بقطن الحروف دون أن أجرح المعنى؟ وكيف أصير أزيز القلم على الورقة موسيقى أعلى من صوت الرصاص في الجسد؟ وكيف أثق بعطر الورد فوق قبرك حارسا أمينا على هدايا لم توصلها إلى نيروز وندى؟ وقُبلات نسيت أن ترسمها على خد بسمة... بسمة الرفيقة والحبيبة... وأنت تنام الآن داخل حلمهم المشتهى، وتقض مضجعنا بكابوس ابتساماتك تنثرها حيث وليت وجهك لتذكرنا بأن الموت لا شيء يهينه سوى الغدر، فتلك هي الاستعارة الأكثر إيقاعا من كل الأصوات الأخرى، وتلك هي اللوحة التي تمنيت أن ترسمها وتتوسدها شاهدة قبر... أيها العيد المتسربل بالفرح والأمل والعشق، المتوغل في داخلنا بكل وثوق... وأنت تقرع الأجراس من تحت الاسمنت وتدق نواقيس الوطن من قبرك الواسع... الواسع جدا... تجعل من خطى قاتلك مرتبكة... لغته متلعثمة... و"حياته" ميتة... جاءتك الحياة برمتها وبالمثل جاءتك الموت، على طبق من فضة وذهب وزمرد، وتركت لهم الفتات ممرغا بالأحذية المتعفرة بالدم... غمرتك المدائح والقصائد والمجازات والاستعارات... وتركت لهم كل اللغة الميتة من الشرعية إلى الترويكا... وتركتهم يتخبطون تحت جبة قطر وخلف شاشة الجزيرة... حملت معك شعبا بأكمله، وتركت لهم المصادح وخشب الاستوديوهات والمراسم الباهتة والقاعات الشرفية وأروقة المؤامرات والحراسة المشددة... واللوز الكاذب... وأكياسا من الحسد والحقد... ابتعدت عنهم واقتربت منا أكثر، وتركت لهم كل تأويلات اللغة فلم يمسكوا بناصيتها واختلفوا في شهادتك، وأربَكتَ لسانهم وحبرهم فعدوك "معصوم الدم"... وكعادتهم وقعوا في فخاخ اللغة... وكما الحياة تأتي دفعة واحدة بمباهجها، أتتك الموت دفعة واحدة، ولم تقبلها، كعادتك، مجزئة، فسحبت فوق قبرك بساطا ملكيا من النجوم لتؤنس نومتك الأبدية، ومن ضوئها تسمع نشيدنا العالي... هل تسمع نشيدنا العالي يا شكري... نشيدك... خطنا المرسوم بين النهاية والبداية... ودربتنا اليومية على الضوء... الحفر في الرخام... ومعرفة كيف نموت... ولا نموت... أيها النائم تحت بستان أندلسي... أيها المحروس بحبات المطر... أيها الرائي الذي لا نراه، حملت معك كل ما ملكت: زغاريد النساء اللواتي عرفتَ وما عرفتَ... هتاف الرفاق وعزم الأصدقاء... تحية العلم الوطني والصمت الصاخب للجيش الوطني... والموت العابر في مقبرة آهلة بالأوفياء... من اشتقاقات اللون، ومن رائحة المطر، ومن زغاريد شقيقات الريح... صنعت جنازة باذخة، تليق بهامتك وأنت تودع وطنا وتهبنا آخر... في بلاد أضيق من الحب، أطلقت لغتك وسرحت خطواتك وسكبت أحلامك، وكنت صاخبا مثل الثورات... والثورات لا تنتصر إلا في حضرة ثائر صاخب... أراك يا شكري في نومتك شامخا وأرى خطواتهم متسربلة بالذل والمهانة... أراك تدعك الحروف والنقاط لتنضج المعنى على أفواهنا وأراهم يتهجون تشقق المرآة في مناظرهم.... أيها الكائن الذي صافحني أسبوعا واحدا قبل أن يرحل وأجج الأمل في قلمي وحبري... ها أنا اليوم أقف على "جنتك" وأركضُ كفرس شاردة في لغتك وابتسامتك وتحديك... وأعرف أننا نحن نحن... وهم هم... مثلما أنت أنت... لأن كلماتك كانت أقوى من الرصاصة، ظلت الأيادي المرتعشة تنتظر الإشارة لتضغط على الزناد وتطلق رصاصات حية على رأسك الذي به تفكر وقلبك الذي به تحب... لأن طينتك من طينة المناضلين الأشاوس، لم تهرب على متن طائرة ملكية، وظللت هنا بين الرفاق والمفقرين شوكة في حلق النظام... نظام المخلوع... ونظام الشيخ... لأن اسمك كان شكري بالعيد المناضل ولأن اسمك ظل شكري بالعيد المناضل والشهيد ستظل رفيقا للفقر والفرعنة وسيظل لأعدائك دين الردة والظلام... مثلما كتبت لرفيقك حسين مروة ذات قصيد:"لأعدائنا دينهم... ولنا الفقر والفرعنة"... فحياك بابا حياك... ألف رحمة على بياك...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق