قليبية والسينما الهاوية
عندما كانت قاعات السينما تواصل تقهقرها الى الوراء بإصرار وعزم أسطوريين، كانت مدينة قليبية تسابق الريح وتُجنّح عاليا وهي تعرض الافلام والاشرطة السينمائية على بياض الجدران والحيطان...وعندما كانت قاعات السينما بالعاصمة وبمختلف ولايات البلاد تتنافس فيما بينها للفوز بأولوية اعادة الافلام التي تعرض كل ليلة في الفضائيات... كانت مئات السيارات تقل الناس وتتجه الى مدينة قليبية لمتابعة افلام عالمية تعرض لأول مرة بتونس...وعندما كان بريق السينما المحترفة / التجارية يخفت ويتوارى في ظلمة الدهاليز الموحشة، كانت السينما الهاوية تزداد تألقا... تتوهّج وتشعل الحرائق فتغذي العقول وتشحن القلوب لتكون النقاشات البنّاءة والافكار الخلاقة متاريس ضوئية ضد التسطيح السينمائي والتعليب المشهدي...
لقد تحولت مدينة قليبية الى قاعة شاسعة لعرض الافلام ومناقشتها... لقد صارت قلعة شامخة بما تقدمه كل سنة ـ طيلة ربع قرن تقريبا (23 سنة) ـ من نجاح وتميز ان على مستوى اختيار المادة السينمائية، وان على مستوى صدقية منح الجوائز والحوافز، وان على مستوى حسن التنطيم... حيث تتضافر هذه العوامل الثلاثة في كل دورة من مهرجانها السنوي لفيلم الهواة لتؤمن في كل مرة دورة ناجحة لا تصنف على انها تدخل في باب التراكم الكمّي بقدر ما تؤكد انها دورة نوعية ودورة مؤسسة...وها هي الدورة 23 لهذا المهرجان الدولي (رغم موت أحمد بهاء عطية أحد مؤسسي هذا المهرجان) تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن أفق هذا الفعل الثقافي لا تسوّره أسوار وبأنه أفق اللامنتظر... اذ تناثرت في هذه المدينة المكتنزة بشهوة الصورة، الافلام صدفا ومرجانا فطوّقت عُريشات قلوب المهوسين بالسينما الخلاقة، بالسينما التي تغير وتطور وتتقدم بمريديها ومشاهديها... سينما صمبان عصمان التي شرحت التفاوت الطبقي في داكار... سينما باولينهو كادوزو التي وقفت على عمق المشكلات الاجتماعية بالبرازيل... سينما وسام شرف وهو يدربنا على الانضباط لجيش النمل والذكريات القديمة... سينما وائل نور الدين وهو يقفز كالمعتوه بين قنابل القصف الوحشي للطيران الصهيوني على القرى والمدن اللبنانية... سينما شادي سرور وهي تعلمنا ان حيفا هي الأنا والأنا هي فلسطين وفلسطين والأنا معا هما الحرية والعالم الحرّ... سينما وليد مطار وهو يرجمنا بحب البلاد ويحرّضنا على الهجرة السرية في دواخلنا العاطفية والايديولوجية والثقافية لنعرف كيف نهاجر من تونس في العلن ولا نهرب منها... سينما شريف البنداري تفتح على مشاهديها خزانة الاحزان فتعلمهم كيف يكون الحزن بطعم الورد ورائحة الصباحات الندية...سينما... سينما... قليبية... قليبية... تجريب خلاّق وتثوير مدروس... أفق ممتد في المدى وأديم من الاصرار والثبات والمغايرة والاختلاف... إضمامة من التحايا والتصفيق... قبلات وعناق... وعود صغيرة وأكياس من احلام الشباب ـ شباب الفكر لا العمر ـ تترقرق في عيون هواة السينما ومريديها... شباب يحج كل سنة الى قليبية، زادهم دقائق معدودة هي عمر الفيلم وطموح بأن يظلوا أبد الدهر هواة ومريدين لئلا تصيبهم لعنة الاحتراق وظلمة القاعات النائمة في الشوارع الباهتة...
عندما كانت قاعات السينما تواصل تقهقرها الى الوراء بإصرار وعزم أسطوريين، كانت مدينة قليبية تسابق الريح وتُجنّح عاليا وهي تعرض الافلام والاشرطة السينمائية على بياض الجدران والحيطان...وعندما كانت قاعات السينما بالعاصمة وبمختلف ولايات البلاد تتنافس فيما بينها للفوز بأولوية اعادة الافلام التي تعرض كل ليلة في الفضائيات... كانت مئات السيارات تقل الناس وتتجه الى مدينة قليبية لمتابعة افلام عالمية تعرض لأول مرة بتونس...وعندما كان بريق السينما المحترفة / التجارية يخفت ويتوارى في ظلمة الدهاليز الموحشة، كانت السينما الهاوية تزداد تألقا... تتوهّج وتشعل الحرائق فتغذي العقول وتشحن القلوب لتكون النقاشات البنّاءة والافكار الخلاقة متاريس ضوئية ضد التسطيح السينمائي والتعليب المشهدي...
لقد تحولت مدينة قليبية الى قاعة شاسعة لعرض الافلام ومناقشتها... لقد صارت قلعة شامخة بما تقدمه كل سنة ـ طيلة ربع قرن تقريبا (23 سنة) ـ من نجاح وتميز ان على مستوى اختيار المادة السينمائية، وان على مستوى صدقية منح الجوائز والحوافز، وان على مستوى حسن التنطيم... حيث تتضافر هذه العوامل الثلاثة في كل دورة من مهرجانها السنوي لفيلم الهواة لتؤمن في كل مرة دورة ناجحة لا تصنف على انها تدخل في باب التراكم الكمّي بقدر ما تؤكد انها دورة نوعية ودورة مؤسسة...وها هي الدورة 23 لهذا المهرجان الدولي (رغم موت أحمد بهاء عطية أحد مؤسسي هذا المهرجان) تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن أفق هذا الفعل الثقافي لا تسوّره أسوار وبأنه أفق اللامنتظر... اذ تناثرت في هذه المدينة المكتنزة بشهوة الصورة، الافلام صدفا ومرجانا فطوّقت عُريشات قلوب المهوسين بالسينما الخلاقة، بالسينما التي تغير وتطور وتتقدم بمريديها ومشاهديها... سينما صمبان عصمان التي شرحت التفاوت الطبقي في داكار... سينما باولينهو كادوزو التي وقفت على عمق المشكلات الاجتماعية بالبرازيل... سينما وسام شرف وهو يدربنا على الانضباط لجيش النمل والذكريات القديمة... سينما وائل نور الدين وهو يقفز كالمعتوه بين قنابل القصف الوحشي للطيران الصهيوني على القرى والمدن اللبنانية... سينما شادي سرور وهي تعلمنا ان حيفا هي الأنا والأنا هي فلسطين وفلسطين والأنا معا هما الحرية والعالم الحرّ... سينما وليد مطار وهو يرجمنا بحب البلاد ويحرّضنا على الهجرة السرية في دواخلنا العاطفية والايديولوجية والثقافية لنعرف كيف نهاجر من تونس في العلن ولا نهرب منها... سينما شريف البنداري تفتح على مشاهديها خزانة الاحزان فتعلمهم كيف يكون الحزن بطعم الورد ورائحة الصباحات الندية...سينما... سينما... قليبية... قليبية... تجريب خلاّق وتثوير مدروس... أفق ممتد في المدى وأديم من الاصرار والثبات والمغايرة والاختلاف... إضمامة من التحايا والتصفيق... قبلات وعناق... وعود صغيرة وأكياس من احلام الشباب ـ شباب الفكر لا العمر ـ تترقرق في عيون هواة السينما ومريديها... شباب يحج كل سنة الى قليبية، زادهم دقائق معدودة هي عمر الفيلم وطموح بأن يظلوا أبد الدهر هواة ومريدين لئلا تصيبهم لعنة الاحتراق وظلمة القاعات النائمة في الشوارع الباهتة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق