بات واضحا وجليّا أن العلوم الإنسانية أصبحت اليوم، وفقا لشروط العالم الجديد، لا تساوي شيئا، بل انها اصبحت عبئا ثقيلا وغير مرغوب فيه من قبل الحكومات والانظمة المتطلعة لركوب صهوة الجواد الارعن المسمّى عولمة أو رأسمالية أو تقدّما... ذلك ان العلوم الصحيحة وحدها هي التي باتت تستأثر بالاهتمام والمتابعة والحظوة الكبيرة..
عن هذه الازدواجية اقصي الفيلسوف وعالم الاجتماع والانتروبولوجي والاديب والشاعر وتقدم الفيزيائي وعالم الرياضيات والكيميائي وخبير الاسلحة... فغار العالم بأسره في النفق المظلم خلف الالات الحربية المدمّرة وخلف ادوات التجميل المخربة والالات الملوّثة للطبيعة وغيرها، وظل صراخ الفلاسفة والمفكرين خافتا تحت الازيز والضجيج...هذا التمشّي الذّاهب بالعالم نحو حتفه يمكن لاي عاقل ان يقف على إرهاصاته البعيدة والقريبة، وعلى مظاهره المباشرة او غير المباشرة فإلى جانب النمطية والنمذجة وتشيؤ الانسان وتعطيل كل ملكات التفكير لديه بإنابة من يفكر عوضا عنه الى جانب هذه المظاهر العامة يمكن لنا ان نكتشف «الحملة العالمية لمناهضة الفلسفة والفلاسفة» ضمن البرامج التعليمية التي صارت تقدّم للاجيال الناشئة والمفتقدة لادنى شروط ضبطها.ولنا في برامجنا التعليمية ما يبرهن على انخراطنا في منظومة نهاية الفلسفة والفلاسفة ويكفي ان يلقي واحد منا نظرة عابرة على كتاب الفلسفة المبرمج لتلاميذ وتلميذات السنة السادسة ثانوي والباكالوريا آداب وعلوم على حدّ السواء فالى جانب تخفيض ساعات التدريس من سبع ساعات الى خمس فقط، فقد أصبحت كتب الفلسفة تشبه مقررات بعض دول المشرق من ذلك انها صارت تعتمد على «المختصرات» الى جانب ايراد عدة نصوص من دون اسئلة وادراج نصوص اخرى مترجمة لم يتم التنصيص على مترجميها هذا فضلا عن الاخطاء المطبعية الفادحة وحشد الصوّر وادراج نصوص مستغلقة تتجاوز المستوى المعرفي للتلاميذ مثل الاكسيوم... وكذلك اعتماد «منهج» النوافذ المفضية الواحدة الى الاخرى تماما كالنظام الجامد للحواسيب الذي لا يتطلب جهدا في التفكير بقدر ما يتطلب حدا ادنى من الحفظ والتلقين..ان مقولة انا افكر إذن انا موجود، تتداح وتتراجع لحساب المقولة الجديدة للفلاسفة الجدد أنا أحفظ إذن انا موجود... أو بالاحرى أنا احفظ إذن أنا أنجح..يظل سؤال الفلسفة والتفلسف سؤالا انطولوجيا بالاساس ولا يمكن ان يكون خُطة مرحلية تضبطها شروط تاريخية وهو ايضا لا يخضع لإملاءات او ضغوط بقدر ما ينبعث من اعماق الذات الانسانية المعنية بالدرجة الاولى...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق