الممثّل والمخرج المسرحي كمال العلاوي:
المسرح التونسي اليوم يفتقد لسمة الاختلاف...
بدأت رحلته منذ ربع قرن تقريبا، إذ انضمّ إلى فرقة الكاف كممثّل سنة 1973 عندما كان يدير الفرقة آنذاك المنصف السويسي، وقد ترك الممثل كمال العلاوي بصماته في تلك الفترة من خلال مسرحيات «الحلاّج» و «الأخيار» و «ثورة الزنج» و «عطشان يا صبايا» ليصير سنة 1976 مديرا لذات الفرقة كمخرج مسرحي فتناسلت أعماله مثل «هذا فاوست آخر»، «إلكترا الجديدة»، «المحارب البربري»، «سياسات الفضلات»، «حديقة الحيوان»، «أبو الأمين الخليع» ثمّ فاز بستّ جوائز سنة 1982 مع فرقة سوسة لمّا أخرج مسرحيّة «قمرية» وبعدها انتقل إلى صفاقس مديرا لفرقتها المسرحية سنة 1983 فأخرج مسرحية «امرؤ القيس في باريس» ونال أربع جوائز عن مسرحية «أم كوارج في الحروب الصليبية».
سنة 1985 أخرج «المنفي» بالمسرح الوطني وسنة 1986 أخرج «عرس الذيب» مع فرقة الكاف مجدّدا ثمّ انتقل إلى إدارة فرقة المهدية سنة 1987 وأخرج آنذاك «الحصّالة» و «المعصرة» و «أرصفة» ليعود مديرا للمركز الثقافي بسوسة، كما أخرج عدّة مسرحيات بجمعيات الهواية في صفاقس والجم وأكودة وحمام سوسة والقلعة الكبرى وتونس وفوشانة وعمل بعدّة شركات انتاج خاصّة।له مشاركات عديدة كممثل في التلفزيون وفي رصيده الفنّي بعض الأشرطة التلفزية كما كتب عدّة سيناريوهات سينمائية.عمل كمال العلاوي في عدّة برامج بإذاعة المنستير وهو الآن صاحب برنامج «حديث الرّكح» بإذاعة تونس الثقافية، ومازال مستمرًّا في كتابة نصوصه النقدية في مجالي المسرح والسينما على أعمدة الصحف والدوريات المختصة.مؤخّرا، وبعد مسيرة الترحال والترحّل من ركح لآخر ومن فرقة لأخرى، وبعد ربع قرن من التمثيل والاخراج والنّقد والكتابة وجد كمال العلاوي نفسه أمام إرثٍ كبير ومسيرة طويلة من الغُبن أن تأكلها الرفوف والأغبرة فقام بإخراج مسرحية «حرف الياجور» ليقف من خلالها على تجربته واسهاماتها ويطرح من خلالها سؤاله الوجودي ماذا قدّمت؟ وهل مازال في جرابي ما أضيف؟عن هذه المسرحية وعن مسيرته... عن المسرح التونسي وأعلامه... عن جمهور الرّكح والاعلام... كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ كمال العلاوي الذي نخصّ به قرّاء «الشعب». أستاذ كمال، هل نبدأ حوارنا هذا من حلق الوادي وتحديدا من أوّل عرض لآخر عمل مسرحي أنجزته مع شركة «تعابير» للانتاج والتوزيع؟ـ مسرحية «حرف الياجور» أعتبرها تمثّل منعرجا حاسما في مسيرتي المسرحية، مسيرتي فيها ما يقارب السبعين عملا مسرحيا كمخرج إلى جانب الكتابات والأداء التمثيلي. بعد هذه التجربة الطويلة، وجدت أنّه من واجبي أن أطرح السؤال الوجودي على نفسي، هل بإمكاني أن أتجدّد وأضيف أو أبقى حيث وصلت. كان عليّ أن أتموقع في الرّآهن ومع الأجيال القادمة باعتباري جزءا من المشهد المسرحي عموما من حيث متابعتي لِـمَا يُنتج باستمرار أو من حيث برنامجي الإذاعي «حديث الرّكح».نص «حرف الياجور» أخذه المنصف بن نصر عن كاتب صيني محرز على جائزة نوبل سنة 2000 فأوحى لي بدراماتورجيا تتناول جانبا كبيرا من حياتي الخاصّة من حيث علاقتي بالمسرح والمسرحيين ومن خلال مواجهتي الدائمة لكل متطفّل على الميدان المسرحي وكذلك موقفي من الجمهور المسرحي وكذلك انعكاسات المسرح على حياتي الخاصّة واستنتاج نهائي هل الفنّان يبقى دائما وأبدا رهين اعتراف النّاس أو عدمه؟ هل أموت بعد هذه السن المتقدّمة ويكون مصيري النّسيان... تساؤلات عديدة تفاعلت في داخلي، فجرّتني فحاولت بدوري أن أفجّرها فوق الرّكح... الرّكح الذي لم أقف فوقه منذ 22 سنة كاملة. إذن يمكن لنا أن نقول أنّ مسرحيّة «حرف الياجور» بمثابة سيرة ذاتية ووصيّة في ذات الوقت؟ ـ أعتبر هذا العمل تكريمًا حارا للمسرحيين الذين تناسوهم أو هم الآن أحياء أموات، فيكفي أن نرى صور عبد اللطيف الحمروني ونورالدين عزيزة وعمر الخلفي وغيرهم لنتأكّد من قوّة تأثيرهم على كل من عرفهم. وقد حاولت أن أركّز على موت ودفن موزار في لقطة من شريط «أميديوس» ويعلم الجميع أنّ موزار دُفن في مقبرة جماعية وفي سن مبكّرة، وهذا المصير المأساوي لم يَحُلْ دون خلوده، لأنّ الغربيين يتقنون جيّدا تمجيد أمواتهم وتخليدهم. ويكفي أنّ آريان موسكين في القرن العشرين أنجزت شريطا سينمائيا حول حياة موليار وجعلت منه شخصيّة نصف إلهيّة.نيّتي الرئيسية في «حرف الياجور» أنّه من خلال حياتي المضطربة المشاهد يفهم ما هي همومي العميقة. صراحة هل تقصد تحديدا اضطراب حياتك الشخصية أم اضطراب المشهد المسرحي التونسي الذي جَايَلْتَهُ؟ـ اختيار المسرح في حدّ ذاته مجازفة يعيشها الفنّان دون أن يعلم ما يُخفي له المجهول، لأنّه في غمرة النجاحات الأولى يتوه الفنان أمام المحافظة على تلك النجاحات ومن هنا تبدأ رحلة المتاعب مع الوسط العائلي، فالمسرح استهلك منّي وقتي الذي هو بشكل أو آخر هو أيضا ملك لأسرتي. في الواقع عائلتي يمكن أن ترحمني ولكن الجمهور لا يغفر لك أبدا. لذلك أقول أنّ المشكل الأساسي هو ارضاء الجمهور الذي ينتظر أعمالك. الصحّة والمال والوقت كلّها في كفّة والجمهور في الكفّة الثانية ومع ذلك فهذا الجمهور صار أكثر عزوفا عن متابعة الأعمال الجادّة وهو يجري خلف العروض التّافهة والسّخيفة. صار لدينا جمهور نمطي يتابع فقط ما يُضحكه. أذكر في مسرحيتي «حرف الياجور» موقفي من هذا النمط من الجمهور الذي يصطاد العناوين المثيرة ويُصدم عندما يكتشف أنّ المسرحيّة لا علاقة لها بالعنوان!!! قُلتَ أنّه صار لدينا جمهور نمطي يتابع فقط الأعمال التي تُضحكه، ولكن أستاذ كمال لا يمكن للجمهور المسرحي أن يصير نمطيّا هكذا من دون فعل فاعل ان صحّت العبارة... أنا مثلا أعتقد أنّ الفاعلين في المشهد المسرحي هم الذين يصنعون جمهورهم. أليست طبيعة المسرح التونسي «المُضحكة» هي التي صنعت هذا الجمهور؟! ـ أوّلا أودّ أن أعود إلى التاريخ، فالكل يعلم أنّ فترة ازدهار المسرح التونسي جماهيريّا كانت بين نهاية الستّينات وحتّى نهاية الثمانينات، فالمسرحيون في تلك الفترة كانوا مختلفي النزعات أوّلا لأنّهم يبحثون عن ذواتهم بعد مخاض الاستقلال وثانيا أنّ المناخ العالمي كان يتميّز باختلاف المذاهب السياسيّة والبحث عن تعايش الاختلافات المذهبية. تونس مثلا عرفت فترات عديدة أوّلها التعاضد أو الرّؤية الاشتراكية وما خلّفته من انتهازية وبورجوازية صغيرة، بعدها نكسة التعاضد ودخول الرأسمالية وكل هذا على إيقاع نكسة 67 العربية وانتفاضة ماي 68 الفرنسية وهو ما كان لهما عظيم الأثر على الإنتليجتسيا التونسية، وبما أنّ المسرح قريب من الجمهور فالتطرّق لمثل هذه المواضيع كان الشغل الشاغل لأغلبية الشباب المتعطّش آنذاك للثقافة فبرز المسرح المدرسي وبصفة خاصّة المسرح الجامعي الذي كان صوتا صادقا لمشاغل هولاء وولّد هذا مسارح متنوّعة مثل مسرح الكاف مع علي بن عيّاد على سبيل الذّكر لا الحصر.المسرح التونسي اليوم يفتقد أو بالأصح افتقد سمة الاختلاف والتنوّع ممّا جعل المسرحيين يبحثون عن صورة أخرى لمجتمع لم يعد يعيش الاختلافات والنّزاعات.السّؤال أين اتّجه مسرحيّونا الذين ابتعدوا عن الواقعية السياسية والاجتماعية على غرار المسرح الملحمي البريشتي الذي كان في تلك الفترة له تأثير مباشر على المتفرّج؟ سأجيبك بكل بساطة فأقول أنّهم انتقلوا إمّا إلى الأعمال العالمية آرضاء لرغبة ذاتية في التعامل مع عباقرة الكتابة وبعضهم أصبح يبحث عن الأمور الجمالية أكثر من المضامين وبعضهم تطرّق إلى المنحى السيكولوجي ومن فهم أنّ هناك فراغًا تعاطى الاضحاك أو التهريج فتعوّد الجمهور على هذا وصار ينتظر هذا والدليل أنّ الانتاجات التليفزيونية الأنجح هي التي تقدّم السكاتشات والمشاهد الهزليّة وللتّذكير لم يكن للتلفزة في نهاية الستّينات وبداية السبعينات هذا التأثير على جمهور تلك الفترة. كان المسرح سيّد الموقف. لست أدري إلى متى سنظلّ نقول ونكتب كان لدينا مسرح وكان لدينا سينما وأغنية ونضال وكُتّاب وشعراء... لست أدري؟! ـ أنا من طبعي أكره الوقوف على الأطلال والدليل أنّي مثلا لم أقم بإعادة أي عمل مسرحي لي ناجح رغم الحاح العديد من المسرحيين ولست أدّعي في الظرف الرّاهن أنّ جيل اليوم لا يقدّم أعمالا جيّدة. بالعكس هناك عديد من الشبّان الذين يعيشون حيرة ابداعية صادقة ويحاولون تقديم البدائل وهم مُصيبون في كثير من الأحيان في رسم الكثير من ملامح المسرح القادم. طبعا يخطئون أحيانا ككل الناس لكن كل المؤشرات تدل على أنّ هناك فئة تكتسح شيئا فشيئا فئات معيّنة من الجمهور ولكن ما ينقص ترويج هذه الأعمال الجادّة هو ضعف الإعلام والتّحسيس لمثل هذه الأعمال حتّى تجد موقعها الحقيقي في المشهد المسرحي الحالي ـ من المؤلم أنّ هناك أعمالا تستحق أن تُعرض في عديد المساحات ولكن حظّها من الترويج ضئيل وأنا بحكم معايشتي للشباب ومعرفة مشاغلهم الفنية وحيرتهم الابداعية أحاول قدر المستطاع مساندتهم حتّى لا يتملّكهم اليأس لأنّ المثابرة ليست أمرًا هيّنا.هناك أعمال عديدة تُترجم طبيعة المرحلة الراهنة من حيث المضمون وكذلك من حيث الشّكل. هذا الكلام جيّد ومشجّع يا أستاذ ولكن الواقع عكس ذلك تماما، فالمشهد المسرحي تتحكّم فيه أسماء معلومة وتستأثر بكل شيء، الدّعم المالي والإشهار والترويج حتّى لو كانت أعمالهم مُعادة أو بسيطة؟ ـ أنا شخصيّا آليت على نفسي أن أتحاور مع الشباب ولكن الاعلاميين دائما مشكلتهم أنّهم يبحثون عن الأسماء المعروفة ونحن لدينا مثلٌ شعبي يقول «إللّي سمّاك غناك»، هناك بعض شبّان حظّهم أوفر وهم الذين ظهروا تلفزيا ولكن ظهورهم يقتصر على ما هو تلفزي وبالتالي فإنّ حقيقتهم المسرحية ظلّت غير معلومة وهنا المأساة، فالمشاهد الذي تابع ممثلا ما على شاشة التلفزيون يهرول بمجرّد أن يجد معلقة اشهارية لنفس الممثل تعلن عملا مسرحيا له، وعندما يكتشف المسرحية يُصاب بخيبة المسعى والأمل. أنا قصدت يا أستاذ العلاوي أنّ مشهدنا المسرحي يستأثر به جملة من الأسماء مثل الجعايبي والجبالي والتواتي وبن عبد الله وبن يغلان والسويسي وادريس... ومثلا خرّيجو المعهد العالي للفنون الرّكحيّة يعانون الأمرّين؟ـ ما أعلمه شخصيا أنّ وزارة الثقافة تدعم سنويا ما لا يقل عن 60 أو 70 عملا مسرحيا تتوفّر فيها شروط الجودة من خلال النصوص المسرحية والتصوّرات الفنية. وعندما نقول 70 عملا مسرحيا نحسب عدد المشاركين في هذه الأعمال، المعدّل طبعا ثلاثة ممثّلين على الأقل واثنان من التقنيين وهذا يرفع عدد المنتفعين إلى ما لا يقل عن 400 شخص. هذه حقيقة أولى. وهناك من المسرحيين من يرفضون أصلاً المساعدة على الانتاج والعروض المدعومة ولا فائدة في ذكر الأسماء. الذين يصرخون كثيرا هم الذين يصنعون «الحدث» بمغالطات اعلامية وبالكثير من الافتعال والتمويه والشارع التونسي عن طريق هذا الحدث يتفاعل. بينما المتخرّجون الجدد ونظرا لافتقادهم لمثل هذه الأدوات والحيل فإنّهم يجدون أنفسهم نوعا ما على الهامش ممّا يضطرّهم للاكتفاء بالحد الأدنى للعيش. إذن أنت تشرّع لاستعمال مثل تلك المغالطات الاعلامية؟ـ أنا بالعكس أشرّع للصّدق ولتحرّي الاعلام ومواجهة كل أنواع التمويه حتّى يأخذ كل واحد حقّه. مازال يفصلنا أسبوع واحد عن دورة أيّام قرطاج المسرحية، ما الذي يمكن أن تتميّز به هذه الدورة عن سابقاتها؟ـ هو سؤال سابق لأوانه لكن الحق يقال أنّ مثل هذه الأيّام كان لها مردود إيجابي في المستوى العربي خصوصا أنّ الحركة المسرحية من خلال أيّام قرطاج تطوّرت تطوّرا واضحا ويعلم الجميع أنّ عديد المسرحيين قدتعثّروا بالتوجّه المسرحي في تونس رغم نقدنا له ويعتبرون الحركة المسرحية التونسية رائدة ومتطوّرة خاصّة في مستوى التقنيات العصرية والبحث الجمالي والآداء التمثيلي الحداثي الذي أخرجنا نوعا ما عن السّائد والممجوج وأعتقد أنّ هذه الدورة ستشهد اضافات عديدة خاصّة ونحن نعرف توجّهات محمد ادريس في مجال استقطاب التيّارات التي نعرف عنها القليل والتي ستكون فيها اضافات بالنسبة للمسرحيين العرب والأفارقة والتونسيين. ولكن الجمهور المتتبّع لهذه الأيّام أجمع في الدورات القليلة الأخيرة عن تراجع المسرح التونسي أمام نظيره المغربي واللبناني خاصّة؟ـ هذا النوع من التقييم لا معنى له ـ فأحيانا نرى مبادرات مازالت سابقة لأوانها على غرار ما شاهدناه في مسرحية «عشّاق الشمس» لرضا دريرة ولكن بعد الجدل والأخذ والرّد يهتدي الناس إلى حقيقة وهي أنّ فهم الجديد أو البديل يأتي متأخّرا. حاليا المسرحيون التونسيون يقومون بتجارب ستُفهم فيما بعد وكالعادة سيقول العرب إن كانوا لبنانيين أو سوريين أو مغاربة أنّ التونسيين يظلّون رائدين في المسرح. وأنا شخصيا شاهدت أعمالا لو شُوهدت في أماكن أخرى خارج البلاد لوضعت عديد التساؤلات والفن الحقيقي هو الذي يصنع التساؤلات. سأترك لك هذا البياض لتختم به كما تشاء هذا الحوار.ـ أقول أنّه من الضروري أن يفكّر المسرحيون في الخروج من مأزق العلبة الإيطالية لأنّها استنفدت كل طاقاتها وحتّى بعد تكسير بعض الجدران الوهمية فإنّ المبدعين لم يجدوا الحلول الكفيلة بتقريبهم من الجمهور لا بالمفهوم الشعبي البسيط بل بمفهوم جمالي يستحق الإمعان. هذا مطلوب في الظرف الرّاهن وما على المسرحيين إلاّ أن يبتعدوا عن المعارك الضارية والخلافات العشوائية والكلام الهدّام ليتفرّغوا لمثل هذه البحوث «أمّا الزّبد فيذهب جُفاءً وما ينفع النّاس فيمكث في الأرض».
المسرح التونسي اليوم يفتقد لسمة الاختلاف...
بدأت رحلته منذ ربع قرن تقريبا، إذ انضمّ إلى فرقة الكاف كممثّل سنة 1973 عندما كان يدير الفرقة آنذاك المنصف السويسي، وقد ترك الممثل كمال العلاوي بصماته في تلك الفترة من خلال مسرحيات «الحلاّج» و «الأخيار» و «ثورة الزنج» و «عطشان يا صبايا» ليصير سنة 1976 مديرا لذات الفرقة كمخرج مسرحي فتناسلت أعماله مثل «هذا فاوست آخر»، «إلكترا الجديدة»، «المحارب البربري»، «سياسات الفضلات»، «حديقة الحيوان»، «أبو الأمين الخليع» ثمّ فاز بستّ جوائز سنة 1982 مع فرقة سوسة لمّا أخرج مسرحيّة «قمرية» وبعدها انتقل إلى صفاقس مديرا لفرقتها المسرحية سنة 1983 فأخرج مسرحية «امرؤ القيس في باريس» ونال أربع جوائز عن مسرحية «أم كوارج في الحروب الصليبية».
سنة 1985 أخرج «المنفي» بالمسرح الوطني وسنة 1986 أخرج «عرس الذيب» مع فرقة الكاف مجدّدا ثمّ انتقل إلى إدارة فرقة المهدية سنة 1987 وأخرج آنذاك «الحصّالة» و «المعصرة» و «أرصفة» ليعود مديرا للمركز الثقافي بسوسة، كما أخرج عدّة مسرحيات بجمعيات الهواية في صفاقس والجم وأكودة وحمام سوسة والقلعة الكبرى وتونس وفوشانة وعمل بعدّة شركات انتاج خاصّة।له مشاركات عديدة كممثل في التلفزيون وفي رصيده الفنّي بعض الأشرطة التلفزية كما كتب عدّة سيناريوهات سينمائية.عمل كمال العلاوي في عدّة برامج بإذاعة المنستير وهو الآن صاحب برنامج «حديث الرّكح» بإذاعة تونس الثقافية، ومازال مستمرًّا في كتابة نصوصه النقدية في مجالي المسرح والسينما على أعمدة الصحف والدوريات المختصة.مؤخّرا، وبعد مسيرة الترحال والترحّل من ركح لآخر ومن فرقة لأخرى، وبعد ربع قرن من التمثيل والاخراج والنّقد والكتابة وجد كمال العلاوي نفسه أمام إرثٍ كبير ومسيرة طويلة من الغُبن أن تأكلها الرفوف والأغبرة فقام بإخراج مسرحية «حرف الياجور» ليقف من خلالها على تجربته واسهاماتها ويطرح من خلالها سؤاله الوجودي ماذا قدّمت؟ وهل مازال في جرابي ما أضيف؟عن هذه المسرحية وعن مسيرته... عن المسرح التونسي وأعلامه... عن جمهور الرّكح والاعلام... كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ كمال العلاوي الذي نخصّ به قرّاء «الشعب». أستاذ كمال، هل نبدأ حوارنا هذا من حلق الوادي وتحديدا من أوّل عرض لآخر عمل مسرحي أنجزته مع شركة «تعابير» للانتاج والتوزيع؟ـ مسرحية «حرف الياجور» أعتبرها تمثّل منعرجا حاسما في مسيرتي المسرحية، مسيرتي فيها ما يقارب السبعين عملا مسرحيا كمخرج إلى جانب الكتابات والأداء التمثيلي. بعد هذه التجربة الطويلة، وجدت أنّه من واجبي أن أطرح السؤال الوجودي على نفسي، هل بإمكاني أن أتجدّد وأضيف أو أبقى حيث وصلت. كان عليّ أن أتموقع في الرّآهن ومع الأجيال القادمة باعتباري جزءا من المشهد المسرحي عموما من حيث متابعتي لِـمَا يُنتج باستمرار أو من حيث برنامجي الإذاعي «حديث الرّكح».نص «حرف الياجور» أخذه المنصف بن نصر عن كاتب صيني محرز على جائزة نوبل سنة 2000 فأوحى لي بدراماتورجيا تتناول جانبا كبيرا من حياتي الخاصّة من حيث علاقتي بالمسرح والمسرحيين ومن خلال مواجهتي الدائمة لكل متطفّل على الميدان المسرحي وكذلك موقفي من الجمهور المسرحي وكذلك انعكاسات المسرح على حياتي الخاصّة واستنتاج نهائي هل الفنّان يبقى دائما وأبدا رهين اعتراف النّاس أو عدمه؟ هل أموت بعد هذه السن المتقدّمة ويكون مصيري النّسيان... تساؤلات عديدة تفاعلت في داخلي، فجرّتني فحاولت بدوري أن أفجّرها فوق الرّكح... الرّكح الذي لم أقف فوقه منذ 22 سنة كاملة. إذن يمكن لنا أن نقول أنّ مسرحيّة «حرف الياجور» بمثابة سيرة ذاتية ووصيّة في ذات الوقت؟ ـ أعتبر هذا العمل تكريمًا حارا للمسرحيين الذين تناسوهم أو هم الآن أحياء أموات، فيكفي أن نرى صور عبد اللطيف الحمروني ونورالدين عزيزة وعمر الخلفي وغيرهم لنتأكّد من قوّة تأثيرهم على كل من عرفهم. وقد حاولت أن أركّز على موت ودفن موزار في لقطة من شريط «أميديوس» ويعلم الجميع أنّ موزار دُفن في مقبرة جماعية وفي سن مبكّرة، وهذا المصير المأساوي لم يَحُلْ دون خلوده، لأنّ الغربيين يتقنون جيّدا تمجيد أمواتهم وتخليدهم. ويكفي أنّ آريان موسكين في القرن العشرين أنجزت شريطا سينمائيا حول حياة موليار وجعلت منه شخصيّة نصف إلهيّة.نيّتي الرئيسية في «حرف الياجور» أنّه من خلال حياتي المضطربة المشاهد يفهم ما هي همومي العميقة. صراحة هل تقصد تحديدا اضطراب حياتك الشخصية أم اضطراب المشهد المسرحي التونسي الذي جَايَلْتَهُ؟ـ اختيار المسرح في حدّ ذاته مجازفة يعيشها الفنّان دون أن يعلم ما يُخفي له المجهول، لأنّه في غمرة النجاحات الأولى يتوه الفنان أمام المحافظة على تلك النجاحات ومن هنا تبدأ رحلة المتاعب مع الوسط العائلي، فالمسرح استهلك منّي وقتي الذي هو بشكل أو آخر هو أيضا ملك لأسرتي. في الواقع عائلتي يمكن أن ترحمني ولكن الجمهور لا يغفر لك أبدا. لذلك أقول أنّ المشكل الأساسي هو ارضاء الجمهور الذي ينتظر أعمالك. الصحّة والمال والوقت كلّها في كفّة والجمهور في الكفّة الثانية ومع ذلك فهذا الجمهور صار أكثر عزوفا عن متابعة الأعمال الجادّة وهو يجري خلف العروض التّافهة والسّخيفة. صار لدينا جمهور نمطي يتابع فقط ما يُضحكه. أذكر في مسرحيتي «حرف الياجور» موقفي من هذا النمط من الجمهور الذي يصطاد العناوين المثيرة ويُصدم عندما يكتشف أنّ المسرحيّة لا علاقة لها بالعنوان!!! قُلتَ أنّه صار لدينا جمهور نمطي يتابع فقط الأعمال التي تُضحكه، ولكن أستاذ كمال لا يمكن للجمهور المسرحي أن يصير نمطيّا هكذا من دون فعل فاعل ان صحّت العبارة... أنا مثلا أعتقد أنّ الفاعلين في المشهد المسرحي هم الذين يصنعون جمهورهم. أليست طبيعة المسرح التونسي «المُضحكة» هي التي صنعت هذا الجمهور؟! ـ أوّلا أودّ أن أعود إلى التاريخ، فالكل يعلم أنّ فترة ازدهار المسرح التونسي جماهيريّا كانت بين نهاية الستّينات وحتّى نهاية الثمانينات، فالمسرحيون في تلك الفترة كانوا مختلفي النزعات أوّلا لأنّهم يبحثون عن ذواتهم بعد مخاض الاستقلال وثانيا أنّ المناخ العالمي كان يتميّز باختلاف المذاهب السياسيّة والبحث عن تعايش الاختلافات المذهبية. تونس مثلا عرفت فترات عديدة أوّلها التعاضد أو الرّؤية الاشتراكية وما خلّفته من انتهازية وبورجوازية صغيرة، بعدها نكسة التعاضد ودخول الرأسمالية وكل هذا على إيقاع نكسة 67 العربية وانتفاضة ماي 68 الفرنسية وهو ما كان لهما عظيم الأثر على الإنتليجتسيا التونسية، وبما أنّ المسرح قريب من الجمهور فالتطرّق لمثل هذه المواضيع كان الشغل الشاغل لأغلبية الشباب المتعطّش آنذاك للثقافة فبرز المسرح المدرسي وبصفة خاصّة المسرح الجامعي الذي كان صوتا صادقا لمشاغل هولاء وولّد هذا مسارح متنوّعة مثل مسرح الكاف مع علي بن عيّاد على سبيل الذّكر لا الحصر.المسرح التونسي اليوم يفتقد أو بالأصح افتقد سمة الاختلاف والتنوّع ممّا جعل المسرحيين يبحثون عن صورة أخرى لمجتمع لم يعد يعيش الاختلافات والنّزاعات.السّؤال أين اتّجه مسرحيّونا الذين ابتعدوا عن الواقعية السياسية والاجتماعية على غرار المسرح الملحمي البريشتي الذي كان في تلك الفترة له تأثير مباشر على المتفرّج؟ سأجيبك بكل بساطة فأقول أنّهم انتقلوا إمّا إلى الأعمال العالمية آرضاء لرغبة ذاتية في التعامل مع عباقرة الكتابة وبعضهم أصبح يبحث عن الأمور الجمالية أكثر من المضامين وبعضهم تطرّق إلى المنحى السيكولوجي ومن فهم أنّ هناك فراغًا تعاطى الاضحاك أو التهريج فتعوّد الجمهور على هذا وصار ينتظر هذا والدليل أنّ الانتاجات التليفزيونية الأنجح هي التي تقدّم السكاتشات والمشاهد الهزليّة وللتّذكير لم يكن للتلفزة في نهاية الستّينات وبداية السبعينات هذا التأثير على جمهور تلك الفترة. كان المسرح سيّد الموقف. لست أدري إلى متى سنظلّ نقول ونكتب كان لدينا مسرح وكان لدينا سينما وأغنية ونضال وكُتّاب وشعراء... لست أدري؟! ـ أنا من طبعي أكره الوقوف على الأطلال والدليل أنّي مثلا لم أقم بإعادة أي عمل مسرحي لي ناجح رغم الحاح العديد من المسرحيين ولست أدّعي في الظرف الرّاهن أنّ جيل اليوم لا يقدّم أعمالا جيّدة. بالعكس هناك عديد من الشبّان الذين يعيشون حيرة ابداعية صادقة ويحاولون تقديم البدائل وهم مُصيبون في كثير من الأحيان في رسم الكثير من ملامح المسرح القادم. طبعا يخطئون أحيانا ككل الناس لكن كل المؤشرات تدل على أنّ هناك فئة تكتسح شيئا فشيئا فئات معيّنة من الجمهور ولكن ما ينقص ترويج هذه الأعمال الجادّة هو ضعف الإعلام والتّحسيس لمثل هذه الأعمال حتّى تجد موقعها الحقيقي في المشهد المسرحي الحالي ـ من المؤلم أنّ هناك أعمالا تستحق أن تُعرض في عديد المساحات ولكن حظّها من الترويج ضئيل وأنا بحكم معايشتي للشباب ومعرفة مشاغلهم الفنية وحيرتهم الابداعية أحاول قدر المستطاع مساندتهم حتّى لا يتملّكهم اليأس لأنّ المثابرة ليست أمرًا هيّنا.هناك أعمال عديدة تُترجم طبيعة المرحلة الراهنة من حيث المضمون وكذلك من حيث الشّكل. هذا الكلام جيّد ومشجّع يا أستاذ ولكن الواقع عكس ذلك تماما، فالمشهد المسرحي تتحكّم فيه أسماء معلومة وتستأثر بكل شيء، الدّعم المالي والإشهار والترويج حتّى لو كانت أعمالهم مُعادة أو بسيطة؟ ـ أنا شخصيّا آليت على نفسي أن أتحاور مع الشباب ولكن الاعلاميين دائما مشكلتهم أنّهم يبحثون عن الأسماء المعروفة ونحن لدينا مثلٌ شعبي يقول «إللّي سمّاك غناك»، هناك بعض شبّان حظّهم أوفر وهم الذين ظهروا تلفزيا ولكن ظهورهم يقتصر على ما هو تلفزي وبالتالي فإنّ حقيقتهم المسرحية ظلّت غير معلومة وهنا المأساة، فالمشاهد الذي تابع ممثلا ما على شاشة التلفزيون يهرول بمجرّد أن يجد معلقة اشهارية لنفس الممثل تعلن عملا مسرحيا له، وعندما يكتشف المسرحية يُصاب بخيبة المسعى والأمل. أنا قصدت يا أستاذ العلاوي أنّ مشهدنا المسرحي يستأثر به جملة من الأسماء مثل الجعايبي والجبالي والتواتي وبن عبد الله وبن يغلان والسويسي وادريس... ومثلا خرّيجو المعهد العالي للفنون الرّكحيّة يعانون الأمرّين؟ـ ما أعلمه شخصيا أنّ وزارة الثقافة تدعم سنويا ما لا يقل عن 60 أو 70 عملا مسرحيا تتوفّر فيها شروط الجودة من خلال النصوص المسرحية والتصوّرات الفنية. وعندما نقول 70 عملا مسرحيا نحسب عدد المشاركين في هذه الأعمال، المعدّل طبعا ثلاثة ممثّلين على الأقل واثنان من التقنيين وهذا يرفع عدد المنتفعين إلى ما لا يقل عن 400 شخص. هذه حقيقة أولى. وهناك من المسرحيين من يرفضون أصلاً المساعدة على الانتاج والعروض المدعومة ولا فائدة في ذكر الأسماء. الذين يصرخون كثيرا هم الذين يصنعون «الحدث» بمغالطات اعلامية وبالكثير من الافتعال والتمويه والشارع التونسي عن طريق هذا الحدث يتفاعل. بينما المتخرّجون الجدد ونظرا لافتقادهم لمثل هذه الأدوات والحيل فإنّهم يجدون أنفسهم نوعا ما على الهامش ممّا يضطرّهم للاكتفاء بالحد الأدنى للعيش. إذن أنت تشرّع لاستعمال مثل تلك المغالطات الاعلامية؟ـ أنا بالعكس أشرّع للصّدق ولتحرّي الاعلام ومواجهة كل أنواع التمويه حتّى يأخذ كل واحد حقّه. مازال يفصلنا أسبوع واحد عن دورة أيّام قرطاج المسرحية، ما الذي يمكن أن تتميّز به هذه الدورة عن سابقاتها؟ـ هو سؤال سابق لأوانه لكن الحق يقال أنّ مثل هذه الأيّام كان لها مردود إيجابي في المستوى العربي خصوصا أنّ الحركة المسرحية من خلال أيّام قرطاج تطوّرت تطوّرا واضحا ويعلم الجميع أنّ عديد المسرحيين قدتعثّروا بالتوجّه المسرحي في تونس رغم نقدنا له ويعتبرون الحركة المسرحية التونسية رائدة ومتطوّرة خاصّة في مستوى التقنيات العصرية والبحث الجمالي والآداء التمثيلي الحداثي الذي أخرجنا نوعا ما عن السّائد والممجوج وأعتقد أنّ هذه الدورة ستشهد اضافات عديدة خاصّة ونحن نعرف توجّهات محمد ادريس في مجال استقطاب التيّارات التي نعرف عنها القليل والتي ستكون فيها اضافات بالنسبة للمسرحيين العرب والأفارقة والتونسيين. ولكن الجمهور المتتبّع لهذه الأيّام أجمع في الدورات القليلة الأخيرة عن تراجع المسرح التونسي أمام نظيره المغربي واللبناني خاصّة؟ـ هذا النوع من التقييم لا معنى له ـ فأحيانا نرى مبادرات مازالت سابقة لأوانها على غرار ما شاهدناه في مسرحية «عشّاق الشمس» لرضا دريرة ولكن بعد الجدل والأخذ والرّد يهتدي الناس إلى حقيقة وهي أنّ فهم الجديد أو البديل يأتي متأخّرا. حاليا المسرحيون التونسيون يقومون بتجارب ستُفهم فيما بعد وكالعادة سيقول العرب إن كانوا لبنانيين أو سوريين أو مغاربة أنّ التونسيين يظلّون رائدين في المسرح. وأنا شخصيا شاهدت أعمالا لو شُوهدت في أماكن أخرى خارج البلاد لوضعت عديد التساؤلات والفن الحقيقي هو الذي يصنع التساؤلات. سأترك لك هذا البياض لتختم به كما تشاء هذا الحوار.ـ أقول أنّه من الضروري أن يفكّر المسرحيون في الخروج من مأزق العلبة الإيطالية لأنّها استنفدت كل طاقاتها وحتّى بعد تكسير بعض الجدران الوهمية فإنّ المبدعين لم يجدوا الحلول الكفيلة بتقريبهم من الجمهور لا بالمفهوم الشعبي البسيط بل بمفهوم جمالي يستحق الإمعان. هذا مطلوب في الظرف الرّاهن وما على المسرحيين إلاّ أن يبتعدوا عن المعارك الضارية والخلافات العشوائية والكلام الهدّام ليتفرّغوا لمثل هذه البحوث «أمّا الزّبد فيذهب جُفاءً وما ينفع النّاس فيمكث في الأرض».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق