«هزمتك يا موت الفنون جميعها... هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين» جملة شعرية ـ بمثابة الحكمة الكونية ـ رتق بها الشاعر الفلسطيني محمود درويش ثقوب الذاكرة الفلسطينية المنذورة لطوفان الموت والإماتة في مجموعته/القصيدة «جدارية»، وها هو الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي يُطرز عبارته السردية أمام ندوب الذاكرة العراقية ـ الجنوبية ـ ضمن مجموعته القصصية الحديثة التي وسمها بـ: «وجوه مرت» وأصدرها عن در الفرقد السورية في شهر ماي.2008«وجوه مرت» أشبه بدرع لغوي تمترس خلفه الكاتب عبد الرحمان مجيد الربيعي لينقّي لقارئه من بين «القنابل العنقودية» عنقودا بشريا من أهل العراق طوّق رقبة الموت حتى أفناه وركب جناح الخلود...«حسين مردان» (أبو علي) ذاك الوجودي بالفطرة وجهه مرّ إلى حجب القبر ورسخت دكتاتوريته مع الأدباء «المجربعين»، «خيون راشد» ذي القامة القصيرة والكرش الممتلئة أفنى الموت إدارته المهابة وفشل في حجب «سوانحه» على مجلة «الهاتف» و «الأديب» وجريدة «الأهالي»... «كوزان» بطل القصة الثالثة في مجموعة الربيعي مات هو الآخر ومات معه اسمه الحقيقي المسجل بإدارة الحالة المدنية ومع ذلك خلدت جمله الدعائية لأفلام «الطاق طيق والجيق ميق» وظلت حركاته القردية اكبر من الموت والنسيان... «مدلول» ذهبت أعضاؤه الى دود الأرض وظلت جملة «مدلول يده... باس المخدة» تذكر بمجنون شيما رغم صواريخ «التوماهوك»... «حامد جمعة» أتلف الموت المائة والثلاثين كيلوغراما التي كان يزنها وظلت قصائده حديث مقهى الزهاوي وعارف آغا ولا أخال من يرفع كأس العَرَق إلى شفتيه ـ مِن مَن عرفه ـ إلا وانتظر الوحي الشعري...«خالد الحداد» «جابر الخطاب»، «عبد الكريم الفياض»، «عفّون»، «محسن ريسان» هم بقية الوجوه التي مرت بذاكرة عبد الرحمان مجيد الربيعي ورسخت سيرهم، ولئن غيّر الكاتب بعض أسماء وجوهه، مثلما أشار إلى ذلك ضمن مدخل المجموعة القصصية، إلا انه «صاغ سير تلك الوجوه ضمن مناخ عراقي واحد فكانت مجموعة بورتريهات نادرة التكرار نظرا لفرادتها» وهذه البورتريهات ـ المهمشة والمنسية ـ في تقديري ـ ما هي إلا جزء ضئيل من رواق متحف كبير اسمه العراق... وجوه من بلاد ليست أشبه بمشكاة فنون وإنما هي الفنون ذاتها التي هزمت وتهزم إلى اليوم فنون الموت وأشكال الإماتة...قبل أن أكتب إن سبب رهبتي من تقديم هذا المتن القصصي إبان صدوره وحصولي على نسخة منه، وهو أن «وجوه مرت» من أروع ما قرأت ـ متنا وشكلا ـ أود أن أشير إلى أن مجموعة عبد الرحمان مجيد الربيعي حققت فعلها الخطابي لان دعامتها التواصلية استفادت وتغذت من رغبة حقيقية في التواصل فأصابت المرسل إليه... أصابتني أنا القارئ وأصابت قبلي الموت وهي تثقب رداءه الأسود...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق