خطوة القط :
ناجي الخشناوي من «عراء الأسئلة» إلى تعرية الوجوه الصفيقة والافتراضية!
Bas du formulaire
أراد تعرية الوجوه والبنيان والأزقة والخطاطيف...
جاء من عراء الأسئلة بعد نصف شهر من سابع نوفمبر 1975 بسبيبة قال إنه ما زال يقيم في العراء... لكن مجموعته القصصية البكر «خطوة القط الأسود» جاءت لتكشف قدرته على تجاوز هذا العراء لتأثيث عوامل جعلت عراءه عمارة ووحشته أنسا وعزلته التصاقا.
ناجي الخشناوي أبحر عبر 15 ميناء وفي كل المرافئ التي أرسى بها أنار لنا عالما من العزلة والسخرية والتوحد والوحشة والغربة وأيضا من الاتحاد والتصاق الأجساد والقلوب المرهفة والحب الذي يكتمل والعرض الموسيقي المجهض وبائع الكتب والحالم بالسفر دون اقتطاع تذكرة سفر على خطى جون جونيه الذي وصفه أحد أبطال أقاصيصه «باللص الأصلع» ويتمنى السير على خطاه وهو الذي سافر من «مو» الى باريس دون دفع ثمن تذكرة القطار!
هذه الأقصوصة اعتقد أنها قريبة جدا من ناجي الخشناوي الذي تحمس لها كثيرا حتى فضحته الأسطر وكأنه يروي حكايات نعرفها ويعرفها هو جيدا لأبطال مازالوا بيننا صدرها بأبيات لـ»علي بن محمد الخولاني» :
بعت الدفاتر
وهي آخر ما يباع من المتاع
فأجبتها ويدي على كبدي
وهمت بانصداع
لا تعجبي مما رأيت
فنحن في زمن الضياع
والحالم السفر الى طنجة والمهووس بجان جونيه راى : «ان الأموال ضرورية سأحتاج الى بعض الأموال لأبعد عن نفسي رائحة التسول... الأموال ضرورية قبل أن أكسب بعض الصداقات التي فشلت في اقامتها مع هؤلاء البشر القذرين الذين يحيطون به كالقطط»!
ما عدا...
الآخرون هم الجحيم ولا بد من فك الحصار والعزلة وفرض علاقات متوازنة مع الآخرين غير الآخرين!
وهذه الأقصوصة شغلت حيزا مهما تماما مثل المقالة الافتراضية التي كانت رغم صبغتها «المباشراتية» تحفل بالتحدي وإعمال معول الهدم في سياسة نشر كاملة وصفت بـ»الافتراضية» لكن أجمل ما في هذه ««القفلة» : «كل شيء يمكننا أن نصيّره واقعا افتراضيا ما عدا صوت فيروز ووقع اقدام الجنود» وضمن الأقاصيص «المعمقة» نجد «معاريج السجود».
و»خطوة القط الأسود» التي أعادت للمجموعة عنوانها و»تراتيل بحرية» وهي من أجمل أقاصيص هذه المجموعة وأكثرها شاعرية وأيضا «موعد النرجس» وغير بعيد عن تلك «التوطئة» لا الوقت لنا والكتابة أيضا وهي في اعتقادي مقدمة أرادناجي الخشناوي من خلالها وضعنا في صورة معاناته الكتابة والكلمة التي لا تخرج إلا بعملية قيصرية يكابد صاحبها على الورق في زحمة الشواغل اليومية.
غير بعيد عن ذلك تطالعنا مجموعة من الأقاصيص الموجزة أو المكثفة أو لنقل انها «أقاصيص الفلاش» التي ما تكاد تطالعنا سطورها الأولى حتى نتورط في اقتراف الختام!
من ذلك «غرق حبرى» وخاصة «حكمة السمكة» التي صيغت بحبكة استثنائية أو «زوجا حذاء» أو درجة أولى و»رجل الكلمات المتقاطعة» وزيارة وGame over وفايسبوك Face book التي لم يكن ترتيبها مواليا للمقالة الافتراضية مجرد صدفة!
ناجي الخشناوي الذي جاء من العراء عراء الأسئلة لم يكف عنها بل تلذذ غواياتها ليؤثث عالما من الأسئلة حتى وان بدا واثقا ممسكا بتلابيب الحقيقة... وكأن الريح تحته أراد «الاقامة في العراء» فتورط حىن التقط الالاف أسئلته وهم الذين رأوا الطمأنينة رغم دفئها الظاهري تدفع بهم الى العراء والخواء.
كان أمة
ناجي الخشناوي كان في مجموعته «أمة» قائمة الذات وهو يجمع حول مظفر النواب ومحمود درويش وأنور براهم وفيرزو وجون جونيه وابن عربي ومحمد شكري وحنا مينه وابراهيم ناجي وغيرهم... تدثر بهم وكان محاطا بآلاف المريدين الذين هتفوا باسمه بوركت يا شيخنا فنحن ظلك في العشق والحيرة والتمرد على الصداقات الزائفة والمظاهر التي هزمتها «حكمة سمكة» هزئت من السكين! وقشور الحضارة والـ»فايسبوك» والعالم الافتراضي بعد إخراس صوت محطتين اذاعيتين تبثان بلغة الخشب!! تماما مثل تلك الجريدة الافتراضية الخشبية التي قامت على الحرية واتخذت لنفسها شعارا دنيئا يرويه أصحابه «سنتركه ينشر مقالته الافتراضية تلك في أكثر من جريدة لنبرهن على اننا فعلا نؤمن بحرية الصحافة وندافع عن القيم الأساسية لمجتمع المعلومات...»
جاء في اهداء هذه المجموعة إلى يسرى فراوس «ستعثر الانثى على الذكر في جنوح الشعر نحو النثر»
ناجي الخشناوي شاعر جنح إلى النثر وقاص يكتب بجنوح شعري شديد هل قال كل شيء؟
هل سكت وغنى مع فيروز الماثلة في أكثر من أقصوصة «خايف أقول اللي في قبلي»؟!
«خطوة القط الأسود» كان لا بد أن تظهر وكان لا بد لنا في الخشناوي أن يبدأ في اليوم حتى يعري «الغربان والعربان والبنيان حتى يصهل الخيل وتطير الحمام طيران واثق بعيدا عن العوالم الافتراضية.
* شكري الباصومي (صحيفة الشروق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق